vendredi 19 juin 2015

لست ملائماً

لست ملائما
لست ملائما لا مكانا و لا زمانا
انا بحر في مدينة لا تعرف العوم
انا اذان المغرب لدى قوم لا يعرفون الصوم
انا جرس كنيسة في قرية الملحدين
انا نار الله المقودة  في فردوس الصالحين
انا ملح في نهر راكد لا يذوب
انا طائرة ورق في سماء بلا هواء فلا تجوب
زجاجة فيها خطاب لحبيبتي على الضفة الأخرى
قتلت حبيبتي غريقة و فوتت عليها الفرصة
أنا المهرج في العزاء
انا صدى الصوت في الفضاء
انا الاخير دوما في مسابقة السعادة
احرص على الاشتراك و اهرول بلا هوادة
الروح السعيدة تحل ضيفة  علي ثقيلا
لم و لن اجد ما اقدمه مادمت فقيرا
ذهبت لمشعوذ استدعى الجان
لما لاقوني غادروا المكان
قرأت القرآن ليطمئن قلبي
لم اعثر عليه كأن الشيطان سلبه مني
المحاولات دوما بائسة، باتت يائسة
فعدت لأقول لست ملائما
نظرت لما حولي و من غفوتي افقت
بحثت عن طريقي و على اوله وقفت
انا لست ملائما  ..لاني لا اريد ان اكون
طوال رحلتي بت شريدا و مجنون
كل هذا و سبب الحزن غائب
انا السبب فالمكان خاطئ و الزمان فائت ....

jeudi 18 juin 2015

فرصة !!

فرصة واحد تكفي ...!!
( في عيون صديقي) 
أصبح جلوسي على الكرسي الخشبي ذو الأربع أرجل أمرا معتادًا لا يتبدل منذ زواجي من امرأتي البهية، تتغير الوجوه الجالسة حولي في القهوة، و أنا محلي سر حتى كدت اكون تمثالاً او تحفة من مقتنيات صاحب القهوة.
نفس الفنجان الملئ بالبن المحوج ليُكّوِن في النهاية ( قهوة مضبوطة)  كما اطلبها من النادل الكهل، نفس الشيشة، نفس القرقرة، لم يتغير شئ في عالم قهوتي، صرت أكبر النادل سناً و هماً.
عام و نصف مر على زواجنا، لا ارى فيه أي جديد، اصبحت زوجتي زهرة تذبل بمرور الزمن و انا لم اعثر على مياه الشوق لارويها.. اكتفيت بالنظر لها و روحها تنسلخ منها.

جلست مع صحبتي المهونة عليّ تلك الأيام الرتيبة، لكن هناك ما ينقصنا... شخصا مهما ذو تأثير إيجابي دوما، إنه آدم، صديقي الصدوق يضيف دوما إلي مرارة حياتي النكهة الحلوة، نرى في عيونه الحياة الباسمة... كل ما هو جميل نراه في فمه المتكلم، حركة عيونه الحالمة بالافضل على الدوام.
على الرغم من أنه يتيم، انكسر قلبه كثيرا بعد الحادث المفزع الذي اودى بحياة والديه ، تربى على يد خاله و لقى اسوء معاملة و لكنه تحمّل حتى دخل الجامعة و التحق بكلية الفنون التطبيقية و ظفر بتقدير يؤهله ليعمل في مجال التصميم و ديكورات المقاهي و المحلات الكبيرة .
و اتذكر يومها... كنت في كليتي، بعد المحاضرة لقيته امامي و هو مهزوم الروح, مكسورة جوارحه.... بعد ما هدأ حكى لي أنه فقدها اليوم... كانت تدعى غادة...

كان يشرح لي كيف كانت النهاية و انا ارها في عيونه، رأيتها في كل كلمة يصدرها بصوته المحتشرج و مع كل تنهيدة يتحول لطفل يستنجد بأمه في زحام شارع لا يسير فيه سوى الرجال ذوو القلوب القاسية.
فقدها في حادث هي ايضا، لكن الفرق هنا انه رأها بأُم عينه و لم يفعل شئ , اندفعت و هي تبتهج انه سيآتي ليتقدم لوالدها و تصبح مسكنه لأبد الابدين، عبرت الشارع فطارت الروح المنتشية للسماء و لم تعد.... نزل فاحتضن ما تبقى من شظايا الروح الصافية و التصق في جسدها...
كان التلفاز يؤمني، و يبث مباراة كرة قدم تعالى صخب المشجعين في الملعب، كما هو الحال مع زبائن القهوة... انبروا في رفع الاصوات حتى كدت افقد اذني...
آدم لم يحب ابدا مشاهدة الكرة إلا أنه قال لي( لا استمتع بمشاهدتها و لكني اتمنى أن أكون مثل لاعبي الكرة)  فسألته ( لتكون مشهورا؟)  قال ( لا بل لامتلك الهدف لاحرزه... الانسان بلا هدف كالطير بلا جناح) 
انتهت المباراة و مع صفارة الحكم انطلق السباب ليغطي جنبات القهوة... أمسكت بهاتفي و تصفحت قائمة الأسماء لأعثر على نهى، زوجتي الفضلى، المسماه  my darling
هذا التدليل طلبته مني فلم اعترض ما دام هذا سيسعدها.
أنا: هل تريدين شيئا اشتريه و انا قادم؟
هي:لا، فقط اجلب لي ذاتك سالمة.
أنا:سوف آتي في غضون دقائق.... سلام.

ضغطت على الزر الأحمر و المكالمة لم تكلفني سوى سعر دقيقة، ارتشفت اخر ما تبقى من فنجاني فإذ بي اسمع صوت النادل يقول مبتهجا ( باش مهندس آدم، الحمد لله على سلامتك، لقد اشتاقت القهوة كلها إليك... لا تطل غيابك عنا اكثر من ذلك) 
ما إن سمعت لاسمه فإذ بي انتشل روحي و أُلملمها من قاع اليأس لسطح التفاؤل،  و قد أطل بوجهه المشرق دوما و بعث إلي بأبهى رسمة تحمل الابتسامة المفعمة بالصدق... ابتسامة الإشتياق لمن طال غيابه و ظن الجميع أنه لن يعود ....
هرولت فاحتضنته بحرارة، لم اعرف سببها، انطلقت نحوه و التصقت بروحه التي جاءتني في الوقت المناسب،  في ظل العناق غير المفتعل ، امسكته من يده و اصطحبته كالطفل الضائع و لم ينطق باي شئ فقط على وجهه إشراق لم افقه السر ورائها و جلسنا امام بعضنا البعض بعد أن تفرق جمع القهوة من حول آدم العائد من المجهول، طلبت من النادل فنجان قهوة آخر و اضفت كوبا من الشاي المفضل لدى آدم، فاستوقفني و راجع النادل في المطلوب قائلا بوجه بشوش ( ليمون مثلج ذو مذاق خفيف اللذعة)  .
استغربت ما فعل، منذ متي و هو يحب هذا المشروب، و الغريب أن طلبه كان محددا جدا على غير العادة... هناك ما غيرك يا صديقي... أين ذهبت؟

إن افة البشر  الفضول، و انا من اهم شيمي اني قمة في البشرية،  فرُحت بكل اندفاع و شغف للمعرفة ،العالم يتمثل الليلة في ما ستحمله إجابات آدم ...
أنا : أين كنت متخفي يا صديقي طيلة الفترة الماضية؟
هو : كنت أحلم...
أنا : تحلم أسبوعا كاملا... لابد أن الحلم خمر يسكر أو أصبت فيه بغيبوبة طويلة الأجل
هو:أفضل غفوة ، فيها مات الجسد و بعثت روح جديدة لم أعرفها من ذي قبل.
أنا : أنني لا أحبذ هذا النوع من الرمزية،  لا يمكنني فك شفيرات كلماتك، تبدو كلمات عربية سبق لي و ان سمعت مثلها سابقا لكن احساسك و انت تقولها جعلني ارتبك و انسى تراكيب اللغة.
هو : إذن أخبرني ما حال نهى و ما هي آخر تطورات الحياة لديك؟
انا : لن اخفيك سرا، الدنيا عادية، اصبحت كالجاموسة معصوب العينين يدور في الساقية.... يدور الدورة الاولى ليصل للثانية.... لقد تعبت و اتعبتها معي.
هو : حلك في إيجاد روح تخلصك من اللثام الذي يعصم بصيرتك يا عزيزي.
انا : أصبح الغموض يسيطر عليك،  ماذا اصابك؟
هو : هلا نترك القهوة و نذهب لنتسكع قليلا، تحتاج رئتي لهواء منعش ...و في الطريق سأحكي لك الحلم و عليك بتأويله كما تشاء.

بالفعل،  وضعت الفنجان على الطاولة الخشبية العريضة المتسخة من آثر ادخنة فحم المعسل و عليه تتناثر حبوب البن المخصوص المطحونة،  و دفعت الحساب و طرقت الباقي بقشيش و لم يتعدى الجنيهين. لم يغادر آدم المقهى إلا بعد أن تجرع اخر نقطة لاذعة من الليمون و هو يضم شفتيه على بعضهما و تظهر عروق الرقبة الدالة على مرارة الكأس و عيونه اللامعة التي تدل على حالة النشوة التي احرزها حلقه حينها.
اتخذنا في النهاية، طريقنا و الذي كان برودته تغطي ارضية الشوارع، يحف الطريق نيلا رائق المياه مستكين يستدفئ بمياهه الراكدة لا يعرف عنفوان . و على اليسار من ظهره هناك حفنة من البنايات الخرسانية لا تشكل أي جمال فأدرنا لها ظهورنا و اوقفني و تصمر أمام المنظر اليميني.
سألته مجددا و فمي يرتعش بأكمله :
انا : هلا أخبرني عن الحلم؟
هو : بدأ الحلم يوم التاسع و العشرين من ديسمبر،  كنت أصعد سلم الطائرة تحمل اسم شركة مسماه ( آير فرانس) ، ذلك بعد أن قررت أن اجازتي من الشركة يجب أن تستغل بأفضل شكل ممكن... أنت خير العالمين بأنه ليس من الصعب علي أن احوز تذكرة و اقيم بضعة ايام في الخارج،  فانا لا اعول احد سوى نفسي التي سدت حاجتي من الحياة حتى وقتنا هذا ...
انا : ( آير فرانس) .....إذن الوجهة كانت فرنسا؟
هو : بالضبط.... لقد رتبت كل شئ لأحظى بغرفة في أحد الفنادق في العاصمة الفرنسية،  و اخترت هذا الوقت لأحضر بداية العام الجديد فالحق به و لا اتركه يمر بي كسابقيه. .... بداية جديدة، مكان جديد، فرحة جديدة او فرح جديدة....
نظرت إليه و قدامي ترتجفان و اتمنى أن احاسب لاستدفئ بنار جهنم فتجرني من تجمد الهواء الذي نتنفسه بأفواهنا المرتعشة على الدوام... و سألته :
انا : ماذا حدث حين وصلت؟
هو :  اتجهت إلى الفندق، تحديدا صوب لافتة تحمل كلمة فرنسية مجهولة المعنى مفهومة الدلالة ( ريسيبسيون) ، قابلني شابا وسيما انيق, خصلات شعره فاحم مصففة للوراء و عيونه الزرقاء الواسعة جعلتني اغبط تلك النعمة التي حاباه الله بها، و سرعان ما أكدت على حجزي لغرفة في الفندق تحمل اسمي فاعطاني المفتاح بوجه لا تفارقه الابتسامة... استدرت نحو صالة الانتظار فإذ بي أرى قاعة واسع يتوسط سقفها تجويف قبة مرسومة باتقان شديد تحمل صورة المعالم الفرنسية...
برج ايفيل الفخم بأنوراه الذهبية ليلا و بجانبه ثلاثة اهرامات استدعت لذاكرتي متحف اللوفر و شوقي لرؤية السيدة البسيطة العميقة ( موناليزا)  لاحدثها في عيونها المتأملة لجميع زوارها و مشاهديها... و بينها كان هناك نهر السين يفصل بينهما و يمر به قارب خشبي يجدف صاحبه لينعم العاشقين القابعين في القارب باحلى امسية في عاصمة يكمن فيها كل عمل انساني بديع....

شردت لوقت ما في السقف لا يحيد نظرني عنه و لو ثواني، حتى نبهني الساعي قائلا بلهجة لا تعرف سوى الاناقة ( ميسو... سيل فو بلاااه)  ، اصطنعت اتقاني للغة مجيبا ( ويي)  تلك الكلمة التي علقت في ذاكرتي من اخر فيلم فرنسي شاهدته بترجمة عربية فصيحة،  كل جزء من القاعة يبعث بالنور... التحف و الزوار ...حتى الحقائب... الابتهاج يحاصر الفندق و السعادة داهمت الحضور و اودت باخر قطرة شؤم يحملها أي أحد منهم.... الأطفال يروحون و يرجعون و قلوبهم تلمع في مرآة عيني و ضحاكتهم الصاخبة تعلق حتى الان في روحي التي باتت بريئة...
ابتسمت لوجه آدم و لكن قدامي أخذت في الارتجاف مجددا و اقترحت أن استضيفه عندي نحتسي شايا ساخنا لأن الجو سيتسبب في موتي... نظر إلي و لم يغضب بل بدت عليه ملامح الرصانة و فجأة شاهدته يتجه بي نحو بيتي و طوال الطريق لم يقل شئ و كلما طلبت منه الاستمرار في السرد قال لي سأكمل لك في لقائنا القادم حتى اوصلني لبوابة العقار الخاص بي و ودعني وادعا حارا كأنه سيحلم من جديد ، فقلت له ( أحلام سعيدة)  ...لم يتردد في رده قائلا ( هي كذلك يا صديقي )


( عيون آدم) 

تركت صديقي لزوجته لعلها تحيي فيه روحه التي غفوت كثيرا، فهو يحتاج لحضن عميق من روحها قبل ان يكون من جسدها... اتجهت مجددا صوب المكان الذي كنت فيه، و أمامي منظر النيل الكئيب في ليلة ذات روح مظلمة، ذات قمر يشع ظلاما، لكنني سأغير هذا و شرعت قائلا : ( ‏سأحكي لك أيها النيل الراكد الحزين لتبتهج أسماكك و تفيض بأمواج تستحدثها من بهاء ما سأفضي به .....)
اتذكر بعد عناء هذا اليوم الشاق من السفر، اضجعت على سريري و نمت نوما عميقا لا يعرف قلق و لا يقظة، و صحوت في اليوم التالي بعد أن اغتسلت و وضعت على جسدي أفضل ما أصطحبت من ملابس صوفية استدفئ بها من البرد القارس و اتجهت من الفندق إلى الشوارع الباريسية المزدحمة بالمارة الذين في طريقهم للاحتفال بعبورهم عام سابق و ولوجهم لعام جديد يتمنون أن يحمل الخير، كنت اتأمل وجوه الناس و رأيت الشقراء التي تحمل ملامح أهل البلد و الاخرى السوداء التي يتضح من خشونة وجهها أنها من سلالة المستعبدين، و الشيخ ذو الشارب الأبيض و النظارة الداكنة و الشمسية التي يحملها لتزيده وقارا و تحميه من الأمطار التي لم تتوقف سوي سويعات منذ وطأت قدمي تلك المدينة، و رأيت ذات الملامح العربية و ادركتها و لكنها لم تحرز جمالا بل بدى على وجهها ملامح الارهاق و التعب و الشوق لاسترجاع ما فقدته من هوية ....

وصلت إلى ساحة المتحف و كنت بمفردي، اتطلع باستمرار لحركة الزوار، كان المكان غير مزدحم على عكس المتوقع و كان الجو ما زال قاسي و الشمس لم تشرق يومها و فضلت أن تستدفئ بحرارتها...  هناك من الفتيات من يضحكن بصخب و هن يتصورن سويا و من يلصق كتفه العجوز بكتفه زوجته الشائخة مجعدة البشرة، و الأب الذي يحيط أولاده و يضمهما بجسده الذي اتضح من عيونه التي تترقرق بالدموع من غياب والدتهم... رأيت كل الاحاسيس في مشهد واحد أمام مدخل المتحف،  و من ثم دلفت من البوابة و تركت الكاميرا لان اصطحابها ممنوع هكذا اشار إلي أمن المتحف قائلا بلغته ( انتردي مسيو)  ،فرددت و انا لا ابالي ( ويي) كلمة واحدة تنقذني في مثل هذه المواقف..
دخلت و كلي شغف ان ارى سيدة المتحف، لم اعرف لها طريق و لغتي الانجليزية الركيكة لم تسعفني فاضطررت لأن اسلك كل الردهات حتى انال ما اريد... لوحات و اثار مصرية قديمة و يونانية و مسلة مصرية ضاعت ملامحها و لكن بدت رائقة في نظر الزائرين. 

و أخيرا رأيت اللوحة من بعيد و الغريب ان القاعة لم تكن مليئة بالمتأملين، وجدت مكان للجلوس أمام اللوحة مباشرة فغمرتني فرحة شديدة و الهدوء يخيم على القاعة.... إلي أن سمعت من يهمس بلغة افهمها، فازاداد قلبي سرورا لأني كدت في ثوان أشعر أني غير مألوف في هذا المكان...
فأخذت في الاستدارة، فإذ بي أراك يا سيدة الأسياد، استعارت بصري و بصيرتي و لم تعدهما لي، حدقة العيون واسع اتساع كرسي الرحمن، العينان بحر لا اول له و لا اخر تحاصرها بساط الرموش الداكنة و الانف المعتدل المتوسط الطول و الجسد المتناسق في تقاسيمه و الوجه مستدير استدارة الشمس البراقة لحظة الغروب، الشفق وصل إلي كوني في وهلة.... ما إن. نظرت إلي إلا و قد ارتبكت و اعتدلت في جلستي و بدأت امسح لوحة الموناليزا و ارسمها هي بدل منها لاتمعنها دون انزعاج و بالفعل اخذ عقلي يشغلني بالبحث عن ريشة دقيقة لادخل في اللوحة اجمل التفاصيل.

مر على جلوسي أمام اللوحة الساعتين، و أخذ المارة يستعجبون ما سر جلوسي كل هذا... وددت أن أجيبهم و اقول لهم ( لم افرغ من رسم أول رموشها)  !!
لم اعرف من تكون، و لا من اين آتت لي؟  شعرت بدفئ يقترب رويدا روديدا و اللوحة تشع ضوءا، و نسيم معطر برائحة الريحان الممزوج برائحة العشب الأخضر الذي نشتمه في حدائق قصر فرساي و بنفس بصمة الصوت الهامس قالت :
هي : تستحق اللوحة كل هذا الوقت من التأمل يا سيدي؟
أنا : انا لم اتأمل اللوحة بعد... فقط ابدلها و ارسم روحي المسلوبة بعد أن استعدتها.
هي : إذن فأنك موهوب في الرسم، و سريع في التنفيذ يا سيدي؟
انا : لم ارسم سوى أول رمش ،و ما زال علي أن استكملها... متى تغلق ابواب المتحف؟
هي : اظنها في الحادية عشر... لكن هي عرض مستمر لاصحاب اللوحات البديعة مثلك يا سيدي.
انا : اذن تظنين موهوب، هل ستكون اللوحة بديعة؟
هي : بالتأكيد يا من ترسمني...

ابتسمت هي و ضحكت أنا و قامت من المقعد، و انا كنت في حالة لا توصف، كلمة واحدة أطاحت باللوحة و بالريشة و بعقل راسمها.... الحالة التي يستحيل وصفها استمرت معي حتى خرجت و انتهت زيارتي و لم اشهد غير لوحة واحدة.. لوحة لم تكتمل و لكن في طريقها للاكتمال.
خرجت بعد آخر كلمة قالتها بحوالي نصف ساعة، فلقيتها تنتظرني و تنظر إلى ساعتها، لم يرافقها أحد، ظننتها تنتظر أحد غيري و لكن لحسن حظي خاب ظني. اتجهت صوبها و انفلتت يدي من جيوبي لاستدفئ بتحية من ملمس يديها الناعمتين ...و تمشينا غير قاصدين أي وجهة و بدأت الملائكة تكتب و تسجل أحلى لقاء و الشعراء ينصتون لنا جيدا ليغيروا من قوافيهم بناءا على قواعد الخيال التي استحدثناها سويا....

أنا : إذن يبدو عليكي انك تدركين لغة العيون....طبيبة نفسية تكونين ام قارئة فنجان لم اشربه بعد؟
هي : علمتني عيونك الطب النفسي باتقان و بها استطعت اعداد فنجان قهوة فاشربه انا لاتيقظ و لا انام قبل أن استطلع مكامنك.
انا : فماذا رأيتي؟
هي : رأيت من تبكي من الداخل، متصدع و مجوف الروح، رأيت الشغف يغطي السطح و الجرح يملؤ قاعك.....  
تعالت اصوات اغنية ( لست اسفة على شئ)  لاديث بياف، الموسيقى ملئت قلبي بالشوق و الحنين لما مضى و كنت انظر لها فتتحول من منظر جميل لمنظر اليم كلما تذكرتك يا غادة و انت تنسلخين مني فشردت منها في لحظة فاسترجعتني ثانيا...
هي : سنفترق الآن لأعود إلي البيت و انت إلي مكان ما جئت يا سيدي
أنا : هل سيطول الفراق كما طال من قبل؟
هي : اسموني فرح و ذلك لم يكن عبثا، بل لاملؤك بالكثير  مما يحمله اسمي.
انا : إلي لقاء ليس ببعيد يا فرحتي.
هي : إلي هذا اللقاء...

يوم الواحد و الثلاثين من ديسمبر و تبقى ربع الساعة على العام الجديد، تحديدا أمام برج ( ايفيل)  انتظرها دون موعد معد، لكن حدسي يخبرني بمجيئها لا اعرف لم، احطت بالاحباء كل يضم الآخر و انا اضم كتفي بيدي و مازلت اصدق بقدومها ....الساعة. الحادية عشر قاربت على الانتهاء و الالعاب النارية تملئ السماء ابتهاجا و ابتهالا و كنت اتمنى أن اراهما سويا روح غادة و شظاياي الصاعدة. لكن هانت فاللقاء قريب... نفخت في أذني لتنتشلني من الزحام فضحكت و قالت ( الوون زي)  لم افهمها لكن اتبعتها دون تفكير و لكن ما إن ابتعدنا سألتها :
انا : إلي أين سنذهب يا فرح، اريد الاحتفال بالعام الجديد
هي : بالتأكيد ستحتفل و لكن سنحتفل من فوق سبع سماوات.
انا : و لكن كيف... سننتحر؟
هي : بل سنبعث من جديد... فقط اتبعني في هدوء.
دخلنا شوارع و حواري باريس الضيقة،  حتى وصلنا لناطحة سحاب تبرز لنا مفاتن المدينة، فاتضح علي الخوف من المناطق العليا، و لكن عندما امسكت بيدي فقدت احساس الخوف و اصبح الشغف فقط هو السائد، كان الهدوء بديع و يتوج برج ( ايفيل)  يتوج الصخب البعيد عن اذاننا ..
هي : النظر من بعيد يضيف احيان بعض التفاصيل، اليس كذلك؟
انا : بالتأكيد، البعيد دائما أفضل.
هي : و لكن انت الاقتراب منك اضاع التفاصيل و الاجمال.
انا : لا بل ان الاقتراب مني في حد ذاته ضياع... لذا لا ارغب منك الاقتراب اكثر من هذا.
كنا حينها على حافة السطح،  و كانت تبعدني بعض المترات... لكن سرعان ما اقترب مني و امسكت بيدي اليسرى في حنان
هي : انا لا احب ان اعصى النصائح او لا اخذ بها، لكن كلامك يجبرني على هذا يا حبيبي.
انا : انتي لا تعرفين حبيبك و لا حتى اسمه ...قد يكون قاتل او آثم او مختلس؟
هي : انه قاتل البغيض في الكون... آثم في كرهه لنفسه التي راقتني دون ان اعرفها... مختلس الارواح ليحافظ عليها من مالكيها.
انا : و اسمي لا يهمك؟
هي : اسميتك آدم، لان نفسك تشبه أول من سُمي بهذا الاسم .
انا : اليوم هو ثاني يوم ابعث فيه من جديد .
انتصف الليل و استقلبت يدانا المضمومتين في بعضهما عاما جديدا و استمر التسامر دون كلل او ملل، اعرف عن حياتها التفاصيل، حتى تطرقنا إلي ما سعيت دوما لإخفاؤه فقالت
هي : انا قد عرفت اني ساحبك و انت؟
انا : لم اعد امتلك شيئا احبك به... فقد اخذت روحي و صعدت بها للسماء .
هي : حدثني عنها... روحك المسلوبة؟
انا : كانت روحي ينقصها الملجأ، فلحسن حظي و رحمة خالقها عثرت عليها بعد مجهود... فلقد كانت صعبة المنال... أحببتها حبا قتلها ، و لا اريدك ان تموتين يا فرحتي... انتي بعثتي لتكون بداية جديدة لي،  لا اريد ان تكونين نقطة في اخر القصيدة.
هي : لا بأس، لكن ما معنى وجود فرحتك دون ان تلقى حزن.. دوري هو اننشالك مما انت فيه.. انا رسولة وهبك الله لك فلا تتركها تضيع كمن سبقها.

دمعت و قمت من جلستي و ودعتها قولا و تركتها و ذهبت إلى الفندق و لم تلحق بي و تمددت جثتي على السرير و انا بين احساس متباين، قصة حب و لكني  قمت بوأدها .
حزمت في اليوم التالي حقائبي و قد حان وقت الذهاب او العودة و كانت روحي محبطة اشد الاحباط، وضعت كل شئ احتاجته و اهم المقنيات و الصور تملأ الكاميرا، اخذت التاكسي و طريقي للمطار و صعدت على متن الطائرة العائدة إلى القاهرة بجواز سفري.... استريخيت و اخذت اتصفح الصور التي صورتها في هذا البلد فإذ بها تتأملني و تحدثني و انا الدموع تفيض من جفوني..
وصلت المطار و استلقيت التاكسي لمحل اقامتي و ما إن وصلت فإذ بي ارى حارس العقار يساعدني بلهفة غير معهودة، فاتخذت الدرج لاصعد فإذ بي الحظ حقائب في مدخل الغرفة الخاصة بحارس العقار، فلقيته ينزل درجات السلم فسألته :
انا : هل ستسافر اليوم ام ماذا؟
هو : لا ابدا، لكن لم تسأل يا بني.
انا: تلك الحقائب القابعة امام مدخل غرفتك... ماذا عنها؟
هو : لقد سوهت عن اخبارك بنبأ.... هل تعرف تلك السيدة النائمة على السرير؟
نظرت و لم اتمالك نفسي و اسرعت لاتمعنها و وضعت يدي على خصلات شعرها الناعم ليطمئن قلبي انها ليست خيال و رجعت لاتمالك نفسي 
انا : ما قصتها تلك السيدة؟
قال ضاحكا : جاءت فجر اليوم تحمل الحقائب سألت ما إن كنت تسكن هنا فاجبتها بالايجاب و لكني قلت انك مسافر و لم تعد بعد.... قالت لي انها ستنتظر و كانت ترتعش من البرد... فقلت لها ان 
ترقد فامتنعت حتى غلبها اانعاس و نامت و لا اعرف من تكون.
انا : شكرا... هذه ستكون من سكان العقار قريبا فاعذرني.
هو : لا عليك، الاهم ان تصطحبها إلى منزلك لان علامات التعب واضحة عليها.
حملتها و صعدت بها على ظهري إلي الطابق الاول حيث اسكن و في الطريق همست ثانيا في أذني قائلة :
هي : اراك تلململ روحك الجديدة التي كانت على وشك الضياع.
انا : لم تضع و لن تضيع ابدا طالما كانت مطبوعة في شظايا روحي..
دخلنا البيت و وضع الحارس الحقائب، و حينها امسكت هي بتذكرة كتب عليها رحلة عودة بتاريخ اليوم و ابتسمت بدموع ادت إلي احمرار بياض العيون فقلت ( قلت لك لن افقد روحي مجددا... حتى لو في نهاية الدنيا) ,ثم ضحكت مشيرة بحافظة أوراق التي تحمل بطاقتي قائلة ( أسقتطها عندما أسقطت روحي من أعلى البناية ) 

آسف أيها النيل فلقد تأخر الوقت و رنين الهاتف يجبرني إلي العودة لمنزلي فرح، زوجتي...

ابحث عن فرصتك، لا تتركها تمر بك بل مر انت عليها و اغتنمها.... لا تفكر في حزنك منفردا يا صديقي، اعثر على روح تشاركك الحزن ليستحيل إلي فرح ، و اترك من غدا يغدو...