jeudi 19 novembre 2015

آلهة الشجن و عباد البهحة


نسكن معاً في كهف الاغتراب و ننأى بأنفسنا عن شعب البهجة ، هذا الشعب الذي لا يكف ليل نهار عن الهتاف باسم الابتهاج و دعوات التفاؤل مغايرين حقيقة انسانية لا يمكن ان تتغير و هي أننا    نعشق الشجن في الاصل و نجد متعة لا نظير لها حين نستتشق رائحة الكآبة العطرة ...
فأنا أبغض هذا الشعب اشد البغض ، و أحوذ سيدتي و ملكتي في هذا الكهف ، لنتسامر ليل نهار و نعرّف بعضنا البعض أن في حالة التعاسة هذه كل فوائد العصر ، هل ستحظى بسعادة و انتشاء إلا حين تحزن ؟ هل ستنعم بكلام عميق يروق السامعين إلا حين تفقد احد الاعزاء ؟
الحب عندي حزن على فراق ، تعاسة حين ينقطع الوصل ، ناي يبكي عازفه ، كمان ترتعش اوتاره خوفا من قادم محتم ، دموع تروي قلب أجوف ما إن حمل شيء فقده .
هذا الصباح ، مجبراً ذهبت لآتي بالغذاء لإطعام فُضلى الملكات ، إلهة جمال الكون ، سيدة تتربع     على كرسي البؤس و تسأسر به إلي نهاية حياتها الأبدية . اعشقها لأنها تبالي ، تهتم بالعميق و تترك   الواضح ،  فيجمعنا مُقت شعب البهجة . القهوة الساخن بدون اي قطرة سكر أًجهزها ، حتى تلائم       الدنيا  البائسة . الاسود الذي لا يفارقنا ... نقدس الظلام و لا نعرف للنور عنوان . تقدم لنا قرابين من شعب البهجة فتسلط إلهة الجمال سوء عذابها على هؤلاء المغفلين . كدتُ اخرج من الكهف مزيحا    الحجر الهائل ، لتخترق الشمس مملكتنا و تزعج عيون ملكتي ، فيضطرب قلبي من أن يصل لها  أحد خيوط النهار المبهجة فتُصاب الهة الشجن بالضيق ...
أتحسس الخطوات و أحاول جاهداً أن أُعيد الحجر إلى مكانه , السبيل الوحيد لجلب الطعام هو شعب البهجة . ينبغي على من يتضورون جوعاً  أن يمرون بها , و بذلك فلن تنتشي بحزنك دون أن تمر بوثبة فرح و سرور . من جبل عالِ , هبطت أنا _ زوج الإلهة _ و حينها تسابق إلىّ الكثير و الكثير من            ا لمبتهجين , يعرضون عليّ سلعهم البهيجة , و بوجه عبثي يحاصره التجهم من كل صوب ألقي       عليهم نظرات  الاستحقار . أنا فقط أحتاج لجرعة بسيطة من الابتسام ممزوجة في كوب كبير مع        خليط  الضحكة المخفف و الانتشاء المجفف بمنشفة نسيان المرء لماضيه . أين ذهب البائع ؟
الزحام الشديد لا  يسعدني , يزيدني ضيقاً .. أمقت الابتسامات و التقاؤل في عيونهم . لا أكرهم بل
 أخافهم .... نعم أنا هذا الإه الذي يخاف من مخلوقاته . بل ارتعب منهم .. الأمل الذي أراه في أعينهم , هو  نفسه الذي قتلني و قدس روح إلهة الشجن و جعلنا ننزوي بلا رجعة في أعلى مراتب تلك البلد . ظهر البائع فجأة و جهز لي الطلب بكل حرص و عناية أعطاني إياه وسط تمسُح شعب البهجة في
 جسدي البالي المتعفن و وجهي المهترئ . يا له من إحساس بشع أن تكون إلاه .. القُدسية هي حمل لا يُحتمل , لست قدير به . و كعادة كل يوم اتنازل و اترجل نحو البلد السعيد لأحوذ بعض أغراض
العيش التي لا حاجة لي بها ..فقط لإسكات غريزتي الإلهية . أرجع من جديد من حيث جئت , و أزيح      الصخرة  لأجد ملكتي تغالب النعاس و تملأ الكهف ضياءً , تتوشح برداء أسود لا يفارق جسدها ,
تلتقط أنفي رائحة جسدها الحزين فيزيد اشتهائي لها . بدى عليه الارهاق و كادت تقلق عليّ حين رأت الوجه العبسي الرائع ينزوي مثل روح صاحبه .... فنادتني : آلهي ... ماذا بك ؟
أجبتها : ما رأيك في إلاه لا يعرف لما يحويه قلبه ماهية ؟
ردت واثقة : لا يمكن بذلك نعته سوى بالرب المضطرب , فالآلهة لا تعرف المشاعر ...
متوقعاً ردها على سؤالي : أحسد هذا الشعب , يا مولاتي .
تسآلت و هي ساخطة : أنت جدير بالشفقة ... ماذا حل بك ؟ الآلهة لا تحسد , بل تُحسد على كمالها . قلت يائساً : أريد استراجع الأمل .. أريد أن استخلصه من أعينهم المبتهجة هذه .
قابلت ردي قائلة بوجوم : تريد استعادة من حكم عليك بالإعدام بسكين بارد من جديد ؟
رددت باستسلام : بل أريد حياة ... أريد أن تغفر لي آلهة الإحياء و تعطيني فرصة ثانية  لعلي أحيا .
قالت ملكتي بوثوق الآلهة : تريد الخروج من جنتي , لتحلّ عليك لعانتي في الأرض .
قلت : أنا لا أريد نجاة بل أريد حياة ... الحباة في الأسفل .. سئمت من تقديسهم لي , لست بحاجة لقربانهم و لا مناجاتهم و لا بفخر الاعتلاء بل أني فقط بحاجة لأكون إنسان ..يعيش الأمل ثم ييأس ثم     يأمل ثم يموت ثم يحيا مرات و مرات ...