jeudi 29 octobre 2015

رابطة عُنق زرقاء

صباح يرتدي بدلة و رابطة عُنق
إنه اليوم الذي ارتعبتُ من أهواله قبل أن أعيشه ، لا اعرف لِم ... ربما لأني اعتدت الايام الرتيبة  .        فاضطرب قلبي و اهتز معلناً عن استعداده لحدث ليس بجلل بل أكثر من هذا . صباح يوم الخميس ،   تستيقظ عيناي إثر خيوط النهار المزعجة  و صوت السيارات البعيد و المنبعث من طريق ناءٍ . عيون     تستفيق و يملؤها النعاس ، و جسد متكاسل متباطئ أخذ يتلوى على فراش نومه و صوت المنبه  في     الهاتف يتعالى باستمرار و لا يتوقف عن النواح . استرد جسدي عافيته و قفزت من سريري العلوي ..     فإنني بالمناسبة  قاطن في اعلى هضاب غرفتي البائسة . الاستحمام هو شغلي الشاغل حينها ،   اصطحبت معي كل ما احتاجه و ما لا احتاجه و اوصدت باب غرفتي ورائي بمفتاح عسى ان يصدم  اللص من وجود قفل في الباب الخشبي فيكسره و ينوبه فينا ثواب . 
نزلت الدرج و كنا في الساعات الاولى من  الصباح  و الصمت يسيطر ، تحضرت جيدا للقاء بعد ان انتهيت من الاغتسال و حلق الذقن بعناية .    انتبهت لوجهي   في المرآة و استحستنه  و وضعت رابطة العنق تحت الياقة و ارتديت البزة الكلاسيكية و انطلقت لمحطة  المترو . زحام الطلبة المتجهين ناحية ااجامعة ليحصدوا درجات ليمروا بسلام وقت الامتحان . سعيت  نحو المترو راجياً من الله ان تسير الامور كما اتوقع و يمر الامر بسلاسة و سلام . و  فعلاً غصت في  أجساد من في المترو و في النهاية بعد معاناة وصلت المحطة المرجوة و استقليت سيارة " سرفيس " ، و في النهاية وصلت للوزارة تمام كالعنوان المكتوب في ورقة طويتها في جيبي ... دخلت و اعطيت   البطاقة لسيدة لا اتذكر منها ملامح و انصرفت لاصعد للدور السادس عبر المصعد و بالفعل وصلت
لأجدهن مصطفات و يترجلن نحو الباب .. اصابني التوتر و لم أعرف اين اذهب و بعدها اخبرني أحد     العاملين الي اين ينبغي بي ان اذهب ... وراءهن
غرفة متوسطة الاتساع ، ذات هواء منعش للغاية بسبب وجود تكييف مرقم بال24 ، مقاعد خشبية تسقبلنا بحفاوة و كلمات الاحترام و الاجلال تحاصر ألسنة الموظفين ، السعادة تغمرني و أحسست بشئ من التيه . جلست في مقعد محصور بين مكتب يخص دكتور في مقتبل العمر و اريكة سوداء جلدية  ناعمة الملمس. كوب الشاي ينتظر من يقضي عليه ....      و حين نظرت للغرفة وجدت آلة تصوير تعتليها فتاة محجبة بيضاء ، الارهاق يشوّه حسنها ، رأيت في  عيونها النعاس و الحاجة إلى نفس عميق تزفره بعنف ،        ارتدتْ في قدميها حذاء رياضي ضخم يكفي ليغطي قدميها التي فيما يبدو لا تغطيهما بجوارب .
جاءنا شخص في اواسط العمر ، يرتدي نظارة طبية و ذو جبهة يقبع فيها ختم الايمان ، فيقابلنا بكل       ترحاب و يعطينا ورقة بيانات لنملأوها و نعطيه البيانات كاملة . رنين هاتف الغرفة لا ينقطع ، فمدام    فلانة تغلق حتى تتصل غيرها فترد عليها سيدة قابعة في المكتب المجاور لمكتب الدكتور .
تلك السيدة ذات وجه  ناصع البياض و لكنها لا تختلف البتة عن الفتاة ، فهما نسخة واحدة ... عيونهما   فارغة ... كآنهما آلات أرهقت من كثرة تشغيلها .
صوت أجش يقطع صمت غطى الغرفة ، صوت لا يمكن أن يصدر عن امرأة مهما هرمت ... و لكن     حدث . رأينا سيدة ذو شأن ، الجميع يهبها هيبة  و وقار .. قالت ( ايه دا ... مين الناس الجُمال دي ) .
ابتسمنا جميعا للحظة و حينها دلفت هي إلي المكتب و يتبعها شخصا نكرة حتى اني لا اتذكر ما إن كان   رجل ام امرأة . ما آثار انتباهي في تلك الشخصية ، هو ثيابها التي من الممكن ان يتندر عليها كل سكان
الأرض ... أما انا فاستغربت شيئا اخر ، و هو الصرامة في إعطاء الأوامر و نشاط منقطع النظير ،       العمل يعني تلك السيدة و ليس مجرد مكتب منعم فقط .... رأيت سيدة و لم المس روح الانسان فيها . يمر  الوقت و لم تأت من ستجري معنا المقابلة ، اخرجت الهاتف و اخذت اقرأ عن دول حوض النيل باعتباره  الموضوع الاساسي لهذا المنتدى . و لكن اخيراً جاء ذو ختم الايمان و اخبرنا بأن علينا الانصراف        لمقابلة الدكتورة ، و بالفعل تركنا التكييف و الشاي و الحذاء الرياضي و آلة التصوير للقاء السيدة  و قد   كان .
فلقد استوينا على مقاعد تشبه قليلا كراسي الصالونات في المنازل ، فحيث تجلس تجد نفسك غريق في     الكرسي الذي مضى الكثير على " تنجيده " . السيدة تحدثنا بالفرنسية لكي تطلع على اجادتنا للغة ، و ذلك عبر تقديم كل منا نفسه بالفرنسية و حين جاء دوري .. انطلقت بصب معلومات في جوف اذن السيدة و   لم القى اي رد فعل منها الا حين قلت لها اني في الفرقة ثانية ، استعجبت و سألتني  فعلاً ؟ و كان ردي  " ويي .. اون دوزيم انيه " .
ناقشتنا عن مدى معرفتنا بدول حوض النيل ، و حاولت ان القي باي معلومة اعرفها في هذا الصدد . في  النهاية امتد الحديث لمدة خمس دقائق ... خلصنا من الحديث بورقة دعائية لانشطة الوزارة . و خرجنا و كنت انا الأخير ، طلبنا من أحد الموظفات ان نلتقط صورة للذكرى و بالفعل اخذنا حوالي أربعة صور في صرح مخيف من بعيد ، هش في الداخل كأي مصلحة حكومية .. فالروتين يحاصر كل مصالحنا .        
  و ركبت " ميكروباص " عائداً أدراجي ، و جديرا بالذكر ان الأجرة كانت جنيه و ربع ... 

mercredi 7 octobre 2015

ثرثرة

ثرثرة
هو : أهناك أشهى من موسيقى تلتهمها أذنيكِ صباحاً مع كوب ساخن من الشاي في نهار شتوي و شارع خاوٍ لا يسعى فيه سوى سيل أمطار متواصل  ؟

هي : هناك ...

هو : أين ؟

هي : في ليلة ظلماء يائسة , تدمع السماء البكماء طويلاً , تجعلك تنادي بصريخ تصيب به أذنيك بالعمى عن كل ما بديع حولك ... تنظر من نافذة معدنية صماء , فلا تجعلك ترى ما يمكن أن يستحسنه قلبك .

هو : لِم كل هذا الحزن و أنتِ معي ؟ ألم تكتفي من كلماتي التي أذابت قبلك من امتلكن قلباً أشد وطأة من سيوف الغزاة ؟

هي : لقد جاءني الحزن قبلك , أحببته قل أن ألقاك , جاءني منفرداً .. أما أنت فجئت بعدو حبيبي . لا أعشق الفرح .. أخافه .. ربما لم نتقابل من قبل و خلفيتي عنه لا تتعدى بضعة سطور من رواية حب حمقاء .

هو : لكن بهذا أنتِ تسفهين مني ؟ هل تظنيني أتسول منكِ عطف ؟

هي : المتسول يأخذ ممن يملك ما يفيض عن حاجته ...

هو : إذاً هيا فلتنزعي رداء الصمت و ثرثري ... قولي بعض النكات السذاجة و دعيني أضحك 
مجاملةً , هيا قولي قصيدة شعر و أجعليني أظن أنها كُتبت لي .

هي : هل تظن بأن هذا كافيك ؟ 

هو : يكفي و يفيض ...

هي : دعنا نجلس إلى هذا الكرسي الممتد على النهر الهادىء , و نتأمل قليلاً و نقول ما تراءى لكلنا ... هذا مسلي , هكذا اثرثر أنا و حزني قبل مجيئك .

هو : إذا كان من الحب ما يُبغض سيكون حزنك .. هو شيء يغالبني فيغلبني دون شفقة و أنتِ تعينيه بصمتك و مراوغتك لي .

هي : مجاورتي أشد وطأة من تعذيب في درك سفلي في جهنم .. أليس كذلك ؟

هو : أشفق على حالي معك .. و لأنك متاهة كلما سرت للأمام لا ألقى سوى باباً موصداً بأغلال .

هي : النهر يمشي بسكون , دون ضوضاء , يُظلم لتلهف الناس لتنسم ريح البحر العفيّ . هذا النهر شيخٌ حكيمٌ , لا يتحدث كثيراً و لكن إذا تحدث جعل الكل ينصت لفيضان و يتعجب لغضبه .

هو : و البحر ؟

هي : البحر , فتاة شابة , منذ بزوغ الشمس تتألق , ترسو على موانئها سفن قاصدة سكينة الصيف. هي لربان السفينة الأمان , حين يعجز عن الوصول بمدى بصره للبحر عبر موجات تتعالى و تنخفض , فتلك ببساطة تنهدات الشابة . هذه الفتاة تتجدد , تتعرى بكل أناقة بمدها و جزرها , تسعى كل عدسة لألتقاط صورة لها وقت الغروب , حين يغادرها قرص الشمس بأشعته الحارقة . مياهها لا تعرف الركود , الغريق فيها تحمي جسده بملحها و تجعله يطفو فيجد من يدفنه في برها .

هو : لا تتفوهي مجدداً , أني لا أجد مفر منكِ سوى إليك .

هي : هل تظنني باطشة أو ظالمة .. كلا أني أضعف حلقة في سلسلة حياتي ... فلا أريد سوى الفرار .

هو : أنا من يرى النهر ثقيلاً , مبتهج من يركبه , كئيب من يكرهه ...

هي : فقط ؟

هو : الحياة أبسط من تأملاتك هذه يا فتاة .

هي : من أنت لكي تعرف ماهية الحياة ... هل تظن بأنك بامتلاكي ستحوذ على نعمة التأمل ؟ أنها ليس لك يا سيد , فأنت لست جدير بنعمتي .

هو : و الحب ؟

هي : كلمة مستساغة للناس , و لم أعد أجد فيها الصدق .

هو : و الزواج ؟

هي : بك ؟ ما أجبر نفسي على خطيئة في دنيا و الآخرة . ليس لأني أمقتك بل لأنك أضحل من أن أجبر نفسي على حبك .  

هو : أنتِ لي , سأحوذك رغم أنفك .. سأحوذ البحر و النهر و أحوذ كل ما يجعلك تحبيني .

هي : و العقل ؟ كيف سبيلك إليه ؟

هو : الحب هو الطريق لكل ما اشتهي .

هي : الحب عندكم وسيلة .. أنما الحب هو غاية ... سأجعلك تحوذني و ستلقى حتفك على يدي .

هو : كيف ؟

هي : فمن الحب ما قتل ... دعك من هذا ما الذي تقوم به في حياتك ؟

هو : أسترخي و فقط ... أنام طويلاً , أبتعد عن ارتكاب الخطايا و إن ارتكبتها ندمت فنمت .

هي : إذا فأنت ميت ؟

هو : يمكن أن تقولي شبه حي .

هي : عبث كل هذا عبث ... أنت تعبث بي و تتركني هكذا لقناعات مزيفة , لم أكن أعرف أنك هش لتلك الدرجة . هل تدري أن الناس ينظرون إليّ و يظنون أننا نتطابق .

هو : هذا أجمل ما فينا و أحمق ما فيهم يا فتاتي ... أنا أغار عليكِ منهم , أُظهر لهم القبيح فيكِ و البديع أستره بترهات يفتعلها لساني البغيض .. ليكرهوني أنا و أحتفظ بكِ للأبد .

هي : أنت لا تخضع لقواعد المشاعر الانسانية ...

هو : سرب يقوده طائر مغرد خارجه ...

هي : انظر للطفلة و الفتي .. هذا أنا و أنت حين كنا نحبو . تعرقلني ثم تسندني فأقف و اتعمد السقوط مجدداً لألقنك فن الصبر و تلقني فن البزوغ .

هو : بدأت الحديث بابتسامة طامحة للمزيد و أنهيتها بالسكون ... سلاماً عليكِ يا فتاتي .
هي : إلى أن ألقاك ....
ظلت تنظر للنهر بعقل ساكت بعد أن ودعت من في خيالها ..