هو : أهناك أشهى من موسيقى
تلتهمها أذنيكِ صباحاً مع كوب ساخن من الشاي في نهار شتوي و شارع خاوٍ لا يسعى فيه
سوى سيل أمطار متواصل ؟
هي : هناك ...
هو : أين ؟
هي : في ليلة ظلماء يائسة , تدمع السماء البكماء طويلاً , تجعلك تنادي بصريخ تصيب
به أذنيك بالعمى عن كل ما بديع حولك ... تنظر من نافذة معدنية صماء , فلا تجعلك
ترى ما يمكن أن يستحسنه قلبك .
هو : لِم كل هذا الحزن و أنتِ معي ؟ ألم تكتفي من كلماتي التي أذابت قبلك من
امتلكن قلباً أشد وطأة من سيوف الغزاة ؟
هي : لقد جاءني الحزن قبلك , أحببته قل أن ألقاك , جاءني منفرداً .. أما أنت فجئت
بعدو حبيبي . لا أعشق الفرح .. أخافه .. ربما لم نتقابل من قبل و خلفيتي عنه لا
تتعدى بضعة سطور من رواية حب حمقاء .
هو : لكن بهذا أنتِ تسفهين مني ؟ هل تظنيني أتسول منكِ عطف ؟
هي : المتسول يأخذ ممن يملك ما يفيض عن حاجته ...
هو : إذاً هيا فلتنزعي رداء الصمت و ثرثري ... قولي بعض النكات السذاجة و دعيني
أضحك
مجاملةً , هيا قولي قصيدة شعر و أجعليني أظن أنها كُتبت لي .
هي : هل تظن بأن هذا كافيك ؟
هو : يكفي و يفيض ...
هي : دعنا نجلس إلى هذا الكرسي الممتد على النهر الهادىء , و نتأمل قليلاً و نقول
ما تراءى لكلنا ... هذا مسلي , هكذا اثرثر أنا و حزني قبل مجيئك .
هو : إذا كان من الحب ما يُبغض سيكون حزنك .. هو شيء يغالبني فيغلبني دون شفقة و
أنتِ تعينيه بصمتك و مراوغتك لي .
هي : مجاورتي أشد وطأة من تعذيب في درك سفلي في جهنم .. أليس كذلك ؟
هو : أشفق على حالي معك .. و لأنك متاهة كلما سرت للأمام لا ألقى سوى باباً موصداً
بأغلال .
هي : النهر يمشي بسكون , دون ضوضاء , يُظلم لتلهف الناس لتنسم ريح البحر العفيّ .
هذا النهر شيخٌ حكيمٌ , لا يتحدث كثيراً و لكن إذا تحدث جعل الكل ينصت لفيضان و
يتعجب لغضبه .
هو : و البحر ؟
هي : البحر , فتاة شابة , منذ بزوغ الشمس تتألق , ترسو على موانئها سفن قاصدة
سكينة الصيف. هي لربان السفينة الأمان , حين يعجز عن الوصول بمدى بصره للبحر عبر
موجات تتعالى و تنخفض , فتلك ببساطة تنهدات الشابة . هذه الفتاة تتجدد , تتعرى بكل
أناقة بمدها و جزرها , تسعى كل عدسة لألتقاط صورة لها وقت الغروب , حين يغادرها
قرص الشمس بأشعته الحارقة . مياهها لا تعرف الركود , الغريق فيها تحمي جسده بملحها
و تجعله يطفو فيجد من يدفنه في برها .
هو : لا تتفوهي مجدداً , أني لا أجد مفر منكِ سوى إليك .
هي : هل تظنني باطشة أو ظالمة .. كلا أني أضعف حلقة في سلسلة حياتي ... فلا أريد
سوى الفرار .
هو : أنا من يرى النهر ثقيلاً , مبتهج من يركبه , كئيب من يكرهه ...
هي : فقط ؟
هو : الحياة أبسط من تأملاتك هذه يا فتاة .
هي : من أنت لكي تعرف ماهية الحياة ... هل تظن بأنك بامتلاكي ستحوذ على نعمة
التأمل ؟ أنها ليس لك يا سيد , فأنت لست جدير بنعمتي .
هو : و الحب ؟
هي : كلمة مستساغة للناس , و لم أعد أجد فيها الصدق .
هو : و الزواج ؟
هي : بك ؟ ما أجبر نفسي على خطيئة في دنيا و الآخرة . ليس لأني أمقتك بل لأنك أضحل
من أن أجبر نفسي على حبك .
هو : أنتِ لي , سأحوذك رغم أنفك
.. سأحوذ البحر و النهر و أحوذ كل ما يجعلك تحبيني .
هي : و العقل ؟ كيف سبيلك إليه ؟
هو : الحب هو الطريق لكل ما اشتهي .
هي : الحب عندكم وسيلة .. أنما الحب هو غاية ... سأجعلك تحوذني و ستلقى حتفك على
يدي .
هو : كيف ؟
هي : فمن الحب ما قتل ... دعك من هذا ما الذي تقوم به في حياتك ؟
هو : أسترخي و فقط ... أنام طويلاً , أبتعد عن ارتكاب الخطايا و إن ارتكبتها ندمت
فنمت .
هي : إذا فأنت ميت ؟
هو : يمكن أن تقولي شبه حي .
هي : عبث كل هذا عبث ... أنت تعبث بي و تتركني هكذا لقناعات مزيفة , لم أكن أعرف
أنك هش لتلك الدرجة . هل تدري أن الناس ينظرون إليّ و يظنون أننا نتطابق .
هو : هذا أجمل ما فينا و أحمق ما فيهم يا فتاتي ... أنا أغار عليكِ منهم , أُظهر
لهم القبيح فيكِ و البديع أستره بترهات يفتعلها لساني البغيض .. ليكرهوني أنا و
أحتفظ بكِ للأبد .
هي : أنت لا تخضع لقواعد المشاعر الانسانية ...
هو : سرب يقوده طائر مغرد خارجه ...
هي : انظر للطفلة و الفتي .. هذا أنا و أنت حين كنا نحبو . تعرقلني ثم تسندني فأقف
و اتعمد السقوط مجدداً لألقنك فن الصبر و تلقني فن البزوغ .
هو : بدأت الحديث بابتسامة طامحة للمزيد و أنهيتها
بالسكون ... سلاماً عليكِ يا فتاتي .
هي : إلى أن ألقاك ....
ظلت تنظر للنهر بعقل ساكت بعد أن ودعت من في خيالها ..
هي : إلى أن ألقاك ....
ظلت تنظر للنهر بعقل ساكت بعد أن ودعت من في خيالها ..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire