صباح يرتدي بدلة و رابطة
عُنق
إنه
اليوم الذي ارتعبتُ من أهواله قبل أن أعيشه ، لا اعرف لِم ... ربما لأني اعتدت الايام
الرتيبة . فاضطرب قلبي و اهتز معلناً عن استعداده
لحدث ليس بجلل بل أكثر من هذا . صباح يوم الخميس ، تستيقظ عيناي إثر خيوط النهار المزعجة و صوت السيارات البعيد و المنبعث من طريق ناءٍ .
عيون تستفيق و يملؤها النعاس ، و جسد
متكاسل متباطئ أخذ يتلوى على فراش نومه و صوت المنبه في الهاتف يتعالى باستمرار و لا يتوقف عن
النواح . استرد جسدي عافيته و قفزت من سريري العلوي .. فإنني بالمناسبة قاطن في اعلى هضاب غرفتي البائسة . الاستحمام هو
شغلي الشاغل حينها ، اصطحبت
معي كل ما احتاجه و ما لا احتاجه و اوصدت باب غرفتي ورائي بمفتاح عسى ان يصدم اللص من وجود قفل في الباب الخشبي فيكسره و
ينوبه فينا ثواب .
نزلت الدرج و كنا في الساعات الاولى من الصباح و
الصمت يسيطر ، تحضرت جيدا للقاء بعد ان انتهيت من الاغتسال و حلق الذقن بعناية . انتبهت لوجهي في
المرآة و استحستنه و وضعت رابطة العنق تحت
الياقة و ارتديت البزة الكلاسيكية و انطلقت لمحطة المترو . زحام الطلبة المتجهين ناحية ااجامعة
ليحصدوا درجات ليمروا بسلام وقت الامتحان . سعيت نحو المترو راجياً من الله ان تسير الامور كما
اتوقع و يمر الامر بسلاسة و سلام . و فعلاً
غصت في أجساد من في المترو و في النهاية
بعد معاناة وصلت المحطة المرجوة و استقليت سيارة " سرفيس " ، و في
النهاية وصلت للوزارة تمام كالعنوان المكتوب في ورقة طويتها في جيبي ... دخلت و
اعطيت البطاقة لسيدة لا اتذكر منها ملامح و انصرفت
لاصعد للدور السادس عبر المصعد و بالفعل وصلت
لأجدهن
مصطفات و يترجلن نحو الباب .. اصابني التوتر و لم أعرف اين اذهب و بعدها اخبرني أحد
العاملين الي اين ينبغي بي ان اذهب ...
وراءهن
غرفة
متوسطة الاتساع ، ذات هواء منعش للغاية بسبب وجود تكييف مرقم بال24 ، مقاعد خشبية
تسقبلنا بحفاوة و كلمات الاحترام و الاجلال تحاصر ألسنة الموظفين ، السعادة تغمرني
و أحسست بشئ من التيه . جلست في مقعد محصور بين مكتب يخص دكتور في مقتبل العمر و اريكة
سوداء جلدية ناعمة الملمس. كوب الشاي
ينتظر من يقضي عليه .... و حين نظرت للغرفة وجدت آلة تصوير تعتليها فتاة
محجبة بيضاء ، الارهاق يشوّه حسنها ، رأيت في
عيونها النعاس و الحاجة إلى نفس عميق تزفره بعنف ، ارتدتْ في قدميها حذاء رياضي ضخم يكفي
ليغطي قدميها التي فيما يبدو لا تغطيهما بجوارب .
جاءنا
شخص في اواسط العمر ، يرتدي نظارة طبية و ذو جبهة يقبع فيها ختم الايمان ،
فيقابلنا بكل ترحاب و يعطينا ورقة بيانات لنملأوها و نعطيه
البيانات كاملة . رنين هاتف الغرفة لا ينقطع ، فمدام فلانة تغلق حتى تتصل غيرها فترد عليها سيدة
قابعة في المكتب المجاور لمكتب الدكتور .
تلك
السيدة ذات وجه ناصع البياض و لكنها لا
تختلف البتة عن الفتاة ، فهما نسخة واحدة ... عيونهما فارغة
... كآنهما آلات أرهقت من كثرة تشغيلها .
صوت
أجش يقطع صمت غطى الغرفة ، صوت لا يمكن أن يصدر عن امرأة مهما هرمت ... و لكن حدث . رأينا سيدة ذو شأن ، الجميع يهبها هيبة
و وقار .. قالت ( ايه دا ... مين الناس
الجُمال دي ) .
ابتسمنا
جميعا للحظة و حينها دلفت هي إلي المكتب و يتبعها شخصا نكرة حتى اني لا اتذكر ما
إن كان رجل ام امرأة . ما آثار انتباهي
في تلك الشخصية ، هو ثيابها التي من الممكن ان يتندر عليها كل سكان
الأرض
... أما انا فاستغربت شيئا اخر ، و هو الصرامة في إعطاء الأوامر و نشاط منقطع
النظير ، العمل يعني تلك السيدة و
ليس مجرد مكتب منعم فقط .... رأيت سيدة و لم المس روح الانسان فيها . يمر الوقت و لم تأت من ستجري معنا المقابلة ، اخرجت
الهاتف و اخذت اقرأ عن دول حوض النيل باعتباره الموضوع الاساسي لهذا المنتدى . و لكن اخيراً جاء
ذو ختم الايمان و اخبرنا بأن علينا الانصراف لمقابلة الدكتورة ، و بالفعل تركنا
التكييف و الشاي و الحذاء الرياضي و آلة التصوير للقاء السيدة و قد كان
.
فلقد
استوينا على مقاعد تشبه قليلا كراسي الصالونات في المنازل ، فحيث تجلس تجد نفسك
غريق في الكرسي الذي مضى الكثير على " تنجيده
" . السيدة تحدثنا بالفرنسية لكي تطلع على اجادتنا للغة ، و ذلك عبر تقديم كل
منا نفسه بالفرنسية و حين جاء دوري .. انطلقت بصب معلومات في جوف اذن السيدة و لم
القى اي رد فعل منها الا حين قلت لها اني في الفرقة ثانية ، استعجبت و سألتني فعلاً ؟ و كان ردي " ويي .. اون دوزيم انيه " .
ناقشتنا
عن مدى معرفتنا بدول حوض النيل ، و حاولت ان القي باي معلومة اعرفها في هذا الصدد
. في النهاية امتد الحديث لمدة خمس دقائق
... خلصنا من الحديث بورقة دعائية لانشطة الوزارة . و خرجنا و كنت انا الأخير ،
طلبنا من أحد الموظفات ان نلتقط صورة للذكرى و بالفعل اخذنا حوالي أربعة صور في
صرح مخيف من بعيد ، هش في الداخل كأي مصلحة حكومية .. فالروتين يحاصر كل مصالحنا .
و ركبت " ميكروباص " عائداً أدراجي ،
و جديرا بالذكر ان الأجرة كانت جنيه و ربع ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire