lundi 8 février 2016

قصاصة ورق

قصاصة ورق
ثانية ترقُب عاشق تضاهي ساعتين شغف عيون تراقب المعشوق  . هذا ما يؤمن به ، ذلك الشاب الأنيق الجالس على طاولة في مطعم  متواضع في وسط مدينة نائية . أخذ ينظر في ساعته بين الحين و الآخر ، نظرته لا توحي سوى بمجئ إحداهن . الشاب لم يكن في غاية الوسامة ، و إن كان حسن المظهر ، وجهه يتأرجح على ألعوبة الحب . شعره ينتظر من يهذبه ، أما قلبه فينتظر من يقبّله و روحه تنتظر من سلبته إيها .
المطعم اليوم خاو على عروشه ، يستقبل القليل من الزبائن . هناك صوت لمغنية يغطي الصالة المتسعة و لم يكن يروق هذا الشاب .. هذا ما أظنه . العاملات و العاملين لا يجدون ما يفعلون ، لا وجود لطلبات أما المدير فذهب ليستقبل أي شخص يدلف للمطعم المهجور , سقفه يتدلى منه نجف كالتحف الساكنة في أسقف قصور الأرستقراطيين , الضوء لم يكن أبداً منبعث من هذه الجدران بل من هالة رجل تطيح بعيون متأمليها .
 أما الشاب ذو البشرة القمحية ، لا يزال يُمسِك بوردته , يتنسم رحيق لم يُمتص بعد ، فيأخذ منها نفساً فينبسط وجهه من جديد و تعود روحه إليه .
 الصالة متسخة بعض الشئ ، مياه المطر تتساقط على سطح زجاج المطعم الخارجي لتجعل الرؤية تشكل للناظر معضلة , خصوصاً و أن بعض الأجزاء الزجاج يمر فيها اخدود صغير كشريان عابث في قلب صاحبنا ... الزبون الوحيد المتبقي . لم يحتسي سوى القهوة ، و قد طلبها مُرة دون نقطة سكر ، لم يبدُ لي حينها غير أنه سعيد مترقباً شيء لا طالما انتطره .
معه قصاصة ورق و كتاب ، يقرأ حينها ثم ينقطع حيناً ليكتب على قصاصة الورق . يصمت لينظر عبر النافذة المجاورة له ، فكأنه رأى ما لا يسره فتتراجع رأسه مرة واحدة ، ما بال هذا الشاب ... ذو العينين اللوزتين و الوجه المشع بشاشة .
الغريب أنه لم يتحرك من مكانه طيلة الخمس ساعات الماضية .. يكتب ثم يرتشف  من قهوته و بعدها احتسى شاياً بعد إلحاح صاحب المطعم أن " القعدة بمشروب" و كأنه يريد قتل الجميع ليبقى وحيداً شريداً .
جاء لي المدير ، و قال لي : لم يفلح معه أحد من زملائك الرجال .. الطقس في منتهى السوء و أريد أن اغلق المحل ، و لم يزورنا سوى" أخونا " هذا .. فلو تسمحي هل يمكن أن " تطرقيه " ؟
 طبعاً ، لم أجد مفر سوى الطاعة و الخضوع لمن يعطيني قوت يومي . و حينها اضطرب قلبي ، لا اعرف لِم .. سرت مترجلة و ارتجلت ناحية الشاب القمحي .. فقلت :
_ أتمنى أن يكون مستوى الخدمة مرضي لسعادتك .. هل تريد أي طعام أو مشروب ؟
_ لا شكراً ، فأنني بانتظار من لن يأتي أبداً .
 استعار اندهاشي حينها ، و أعدت ترتيب جملته مرة أخرى ، و ثم سألته بداعي الفضول :
_ لماذا تنتظره و هو لن يجيء ؟
_ لأني وعدته بالانتظار ، و هو وعدني بالمجيء رغم أني أعرف أنه لا يريد رؤيتي .
_ اعذرني يا سيدي ، لكني لا افهم ما تقول .
_ إن المسألة فقط بالوقت ...
ثم شرد و قال محدثاً نفسه ( لن يفوتني أكثر مما فات ) .
ارتبكت و لم أدري كيف لي أن أخبره بأن عليه الانصراف لأن الوقت تأخر و حين رمقتني المدير بنظرة مفعمة بالغيظ محركاً يده و رأسه و من ورائه طاقم العمل . استجمعت ما تبقي لي من قوة و شجاعة و قلت له :
_ اعتذر لك ، و لكن لقد حان وقت اغلاقنا للمطعم و يجب أن ننظف قبل العاشرة و كما ترى هي العاشرة و النصف .
_ ها هو الحساب ..
ألقى بالمال على الطاولة و اخذ الكتاب الخاص به ، و هو في منتهى الغضب و رحل .. فاحتفل الطاقم كله و اخذ الجميع في الانصراف .. فلم يتبقى سوى أنا و المدير .. أنا لأنظف مكان الطاولة و قد فعلت ، و المدير ليحصد ما جنيناه طيلة اليوم ، فوجد أنه لم يحصد سوى مائة جنيه .
قصاصة الورق ما زالت على الطاولة ، من سيحصدها غيري .
 لم أجد سوى كلمات متفرقة لم توصلني لشئ ..
(اقتراب .. فراق .. لقاء .. بديع .. مدّعي .. منتظر .. مبتهج .. حزين .. المطر يليق بالعاشقين .. الزجاج المكسور مخبأ لعيون مترصدة )
 وضعتُ و لم أعرف ماذا افعل بهذه الورقة . ادخلتها جيبي ، و خرجت من المطعم متوجهة لبيتي الذي لا يبعد كثيراً عنه . سيراً على رصيف اسمنتي مبتل و تحت شمسية كادت الريح تطيح بحاملها و بين شوارع سوداء خالية من أحذية المارة .
 و من تقع عليه عينك ، ستراه يجري كالمجنون هرباً من لا شئ .. من بعض الامطار النقية . تحت اشارة مرور حمراء ، شاب بقبعة لا يتضح لها لوناً ، و معطف ثقيل استوقفتني طلعته البهية و استوحيت من المظهر هذا الشاب في المطعم . قال لي ..
_ نعم هذا أنا ، انتظر منذ ساعة حتى فرغت السماء من البكاء رثاءًا لحالي .
_ تنتظرني أنا ؟ لماذا ؟ هل لي سابق معرفة بي ؟
_ هل لي بساعة نتحدث فيها .. أريد أن اتكلم .
_ من تكون حتى استمع إليك ؟
_ أنا هذا الشاب الذي تتأملينه كل يوم تطأ فيه قدميه مطعمك ، أنا من تتطلعي لتعطيه قصاصة ورقة في يدك لا من باب رد الامانة بل من باب الفضول .
تسمرت و كأني لقيت مصرعي برصاصة واحدة في قلب قلبي ، و اكتفيت بما قال ثم سألته ..
_ أين سنذهب إذن ؟
_ حيثما شئتي ..
ترجلنا و لم يتفوه بكلمة ، ارتاب فقط حين يحدق في و يبتسم و يسكت و يأخذ نفس عميق مثل هذا الذي زفره في المطعم .. استوينا في مكان نائي و نامت السماء و انتظر السحاب ما سيقوله هذا الشاب و بدأنا الكلام ..
_ هل تعرفين ما هو مغذى كلمات هذه التي في جيبك ؟
_ لا ، حقيقة ، لم افهمها .
_ سأخبرك إذن .
_ و إن أخبرتك أنني لست بحاجة لاستمع لما ستقول .
_ سأخبرك أنني بحاجة للتحدث و أما أنتي فعيونك يقتلها الآن الفضول يا سيدتي .
_ هي بين يدي تركتني أحبها و انتظر مجئيها مرة اخرى . أردت أن يحيها لكي لا أموت أنا . و الحمد لقد متُ في كل مرة اقرأ هذا الكتاب .. كتابها المفضل ، أهدته لي و جعلته كتابي المقدس .
_ ماتت أم رحلت ؟
_ رحلت فماتت .
_ يا لك من ضحية بائسة و تعيسة يا سيدي .
_  كانت روحها ترافقني في الدنيا .. أما في الآخرة ف" الافتراق" .
_ هكذا افترقتوا ؟
_ كلمح البصر .. كسقوط نقطة مطر كهذه .
_ و أمامي لقاء ثم بديع ؟
_ لقائي بك في المطعم و أنتي تعملين .. بديع كنت أنا ، و أنا أتأملك أيتها الملكة .
_ منتظر للحظة تلقاني فيها منفرداً .. أليس كذلك ؟
_ بل منتظر للحظة تريني بنظرة تلتهمينني حباً .
_ مبتهج و حزين .. ماذا عنهم ؟
_ مبتهج لظهورك فجأة ، و حزين لقربك مني متأخراً  .
_ الزجاج المكسور .. ماذا عن نظرتك من خلاله ؟
_ كنت اتحين الفرصة حتى تمرين و اكتشف أنك تتغزلين في هيئتي سراً .. حتى و انتي تنظرين كنتِ فائقة الحُسن  ، و اما المطر فيليق بنا لذا انتظرت حتى يأتي أمر من السماء أن يبدأ الغيث و ها نحن في اول اليوم ..
حينها سمعنا صوت الرعد و لم تزغ عيونها حين برقت السماء عدة مرات .. وجهي أخذ يشع حرارة و قلبي لا يتوقف و روحي ترفرف و اردت المزيد و المزيد من الكلمات ، و في النهاية جلست لانظر إليه بعيون مترصدة لا تعرف للحب مخبأ .. حينها بكت السماء بشدة و لكن ابتهاجاً و ليس نحيباً .. و قطعت عهد على نفسي أن أجعل روح هذا الانسان تتصبب عشقاً و نعتقل الندم و نودعه في أبعد بقاع البسيطة و نولي الحب السلطة الابدية لعلاقة على مشارف الابتداء .

فإذ بي ألمح من عيون ( ماريا  ) بريق ينبعث , سكتت و لم تعقب على ما أقول فقط فضّلت أن تستمتع بما أحكيه لها . فقلت لها بوجهٍ يحيطه الرضا و الندم في آنٍ واحد :
_ سعدت بصحبتكِ اليوم و لم أكن أظن أني سأفضي بكل ما يحويه قلبي هكذا .
فأحسست بها حزينة لانتهاء لقاء كهذا و بدت طامعة في المزيد من الحكايات مع هذا الفتي الذي سحر فتاة المطعم .. فصمته أبهرها و حديثه أسرها  .
تقول لي ( ماريا ) و نحن نغادر المكان المليء بالناس هذا و كلها فضول :
لتخبريني يا ( ريم ) ماذا حدث بعد هذا اللقاء ؟
فرددت : كالمعتاد , لكل بداية بديعة نهاية تتأنق لتلائم فراق الأحباء .
و لم أعرف من أين آتيت بهذ القوة و التبلد و أنا أسرد لها كيف كانت النهاية مع الفتى الآسر . الآن لن أحكي سوى الأشياء التي أسعى جاهدة لتذكرها مقتطفات هكذا لألحق بقطار الذكريات و لا أستقل باخرة الندم و الحسرة القاتلة ...

رجعتُ إلى منزلي الصغير المتواضع الذي أقيم فيه مع فتاتين , رفيقاتي في القاهرة المشاغبة البغيضة التي أدمنتها مثل مسحوق الهيروين , تعلم أنه سيقضي عليك و مع ذلك يسعى جسدك ليلتهمه بأنف يعاني من دماء تنزف دون انقطاع  بسببه .
أدلف من الباب الخشبي المخلوع من مكانه و أطرق على
خشبه لتلتقتني            ( كاميليا )  و ( غادة ) بل تلتقط ما أحمله في يدي من لوازم لاحضار العشاء .
قالت لي ( غادة ) و هي تأخذ مني الحقيبة :
_ لِم تأخرتِ كل هذا ؟ ألم تخبرينا أنكِ ستقابلين زميلتك في مدة لا تزيد عن ساعة و لن تتأخري .
ابتسمت لها و قلت بصوتٍ متهدج :
_ لم أتأخر , " يدوب " من وسط البلد ل" مدينة نصر " , الميكروباص سائقه كان مملاً و كل شبر يقف لينزل أحدهم ليركب الأخر ... هل قلقتوا عليّ ؟
سمعت صوت يأتي من باب الحمام , فتاة بديعة تلُف شعرها الذي تهرب منه خصلات من أسفل "فوطة " رطبة و تغطي جسدها الملتوي ب"بشكير " أزرق قاتم لا يخفي كل تفصيلة جعلت شباب كليتنا في السابق يلهثوا وراء هذه الشقراء , ذات عيون متسعة الخضار :
_ لا , لا تخطأي الفهم , قلقنا فقط على لوازم العشاء لأنني أتضور جوعاً .. فأنتِ تعلمين أن عمل
ي في " وردية الليل " يجعلني في حاجة للاستعداد جيداً .
قالت ( غادة ) بعد أن دفعت الباب بأحد أرجلها العاريتين و حملت الحقائب و اتجهت بهم للمطبخ لتعد لنا العشاء قبل أن تنصرف ( كاميليا ) إلى عملها :
_ كيف كان اليوم ؟ ما هو الجديد يا حبيبتي ؟
ارتخيت على منضدة الصالة , و أخذت في خلع ما ارتديه , من الحذاء و حتى العدسات اللاصقة الخضراء ... و نزعت الأنشوطة لأجعل شعري يسترسل للوراء بحواف أصابعي . ثم قلت ل( غادة ) و رفعت صوتي ليصل لها إلى المطبخ :
_ لا جديد , كل شيء كما هو , ( ماريا ) تسلم عليكِ يا ( كاميليا ) و أخبرتني أنها تشتاق إليكِ كثيراً .
جاء صوت ( كاميليا ) من غرفتها الصغير التي تبدل فيها الثياب بعد ما أنتهت من الاستحمام استعداداً لعملها :
_ تشتاق إليّ ؟ أنا لا أتذكر لها يوماً واحد أحبتني فيه .. هل تذكرن أيام الكلية , كانت تنتزع مني الشباب بطرقها المختلفة لتحظى بمصاحبتهم و تطلق أبشع الأشاعات .. هل تعلمن أني على لسان ماريا تزوجت عرفياً مرتين و فقدت عذريتي في الثانية ؟
قالت ( غادة ) بنبرة ضاحكة  : لن تخبرينا طبعاً , ( كاميليا ) و ( ماريا ) ملكات جامعة القاهرة و ضواحيها .
قالت الشقراء بعنف : لا يجوز المقارنة , هذا الكون يتسع لآلهة واحدة فقط .
بعد ما ارتديت
ُ ما وقعت عليه عيني .. كانت " عباية " أستعرتها من أمي قبل هروبي من قريتنا كالأفلام المصرية القديمة ... هكذا كان حالي , خرجت من سجن لأذهب لسجن أكثر اتساعاً .
بأحمر شفاه يمر بشفتيها كنبيذ ينسكب من كوب زجاجي مكسور , خرجت ( كاميليا ) المثيرة للحانة قبل أن ينتصف الليل لتتسلم " الشيفت " .. قلت لها و هي تسرع من خطواتها ناحية الباب : ألن تأكلين شيئاً قبل أن تغادري ؟
ردت : سأذهب فليس من عادة الآلهة التأخير .
أصبحت أخشى عليها كلما
هبطت لتحتك بقاذورات الليل .. و نصيحتي لم تجدي نفعاً  ف(كاميليا ) لا تنتمي سوى لعقيدة واحدة نشوتها و بلا قيود .
دلفت إلى الحمام لأغتسل حتى تفرغ ( غادة ) من إعداد العشاء , لم أكن حقاً جائعة بل كنت أتوق لأحكي و أقص على الكون بأسره حالة تمر بي حالاً ...
أقف أمام مرآة لأمسح بخار المياه الساخنة بيداي و أتأمل نفسي .. لقد هرِمتِ يا     ( ريم ) .. ما هذا مرت الحياة بي و لم أتنسم منها سوى نسمات متناقضة تتلاطم كأمواج بحر هائج , لتمتزج لحظات متباعدة زمانية مكونة فجوة شعورية هائلة .
صوت يأتي من المطبخ .. مختلط بإناء يغلي عليه زيت و صحون تترك مكانها من على الرف لتنزل فيُوضع فيها فاكهة متفاوتة الألوان متناسقة المظهر .. ( غادة ) لم أراها سعيدة كاليوم , كالفراشة تسبح طائرة بين أركان مطبخنا , كرقاصة الباليه مع سماعها لموسيقى تنبعث من مذياع في الصالة . لم و لن أستمع لألحان بديعة كتلك التي تتطاير من بين أنامل تلك الفتاة الموهوبة حقاً في عزف البيانو ..
سألتني ذات العيون الغجرية المتسعة بشعرها المتهدل دون اهتمام على جانب واحد ليجعلها ذات نصف وجه و خصرها الصغير المتمايل مع كل نغمة سمو حتى أصابع يدها التي تعزف و هي تطيح بالسكين كقائد أوركسترا  :
_ كيف صار الأمر اليوم ؟ ألم يجد جديد ؟
أخذتُ جزرة من على طاولة دائرية و قضمتها و قلت بصوت ممتزج بصدمات الجزر بأسناني باهتة الصفار :
_ كالعادة , منذ متى و أنا أملك جديد لأتحدث عنه .. اليوم جديدي كان قديمي .. سألتني ( ماريا ) عن آخر قصص حب فتاة مغفلة مثلي , فسردت لها الأيام الحية فقط ..
_ أحسنتِ صنيعاً , فهذه الفتاة ثرثارة و لن تصمت إلا إذا قتلها أحدهم بذريعة التطفل ...
_ نعم , و لكن دعكِ مني .. ما سر روحك الفردوسية هذه ؟
_ فردوسية ؟  لقد حلمت حلماً أسعدني كثيراً .. رأيت من أشتاق إليهم .. رأيت فعلاً أرواح أهل الجنة .
_ حلم .. إذن لِم لا تقصينه عليّ ؟ فأنا بحاجة إلى نفحات عطرة .
راحت تسرد ( غادة ) و صوت الموسيقى في خلفية صوتها الزاعق و العذب .. قالت لي بعيون تشع بريقاً :
" كنتُ في حجرة صغيرة لا تتسع سوى لفردين .. كنت ألملم أوراق عملي من سطح مكتبي المليء بأوراق لا أول لها و لا آخر . و في وسط هذا كله , عثرت على قصاصة ورقية تشبه ورقات الخريف , و بجانبها صورة تحمل طيها فتاة بعيون ضيقة ترتدي فستاناً ناصع البياض و في يدها ساعة داكنة اللون تشبه لون شعرها القصير الذي بالكاد يلامس أطراف كتفها المغطى بكوفية تُكمل شكل الملاك الساند على كتف رسول .. و شاب نحيف , عيونه تفيض بالشغف لتسري حتى ذراعه الملتف حول خصر الأنثى المجاورة له ليضمها في حنو و خلفهما بستان عامر بورود لم أتبين منها تباين في الألوان لقِدم الصورة .
أخذ وجهي في الانبساط و تسرسربت نشوة حنين إليهما .. أخذت قصاصة الورق و رأيت ما كُتب عليها ...
( حبيبتي ... لا أملك شيء أبعثه لكِ مع هذا الخطاب سوى تلك الصورة , أذكر هذا اليوم و كأنه الآن , لم أرسل لك باقة زهور و أكتفيت بإرسال ذكرانا مع بستان بأكمله و يومها طلبتِ من المصوراتي أن يخلدنا في صورة مهما باعد بينا الزمن لن تذبل أبداً . الحب عرفته من معاشرتك , مع كل ضائقة تعصف بحياتنا و ألقاكِ الله في طريقي لتهوني .. سبحان من أنبت فينا السكينة سوياً .. أنا دونك دار مهجورة , عبد بلا رب .. لا تتحسري على يوم مضى بوجودي و لا على يوم قادم بدوني .. فأنا منتظرك على موعد كيوم لقائنا في البستان و حينها سنطلب نفس المصوراتي أن يلتقط لنا صورة فردوسية تليق بشقاء دهر .. أتشوق لهذا اليوم ... عزيز  )
لم تتمالك نفسها , كانت تضحك ( غادة ) و هي تقرأ ما تتذكره من رسالة أمها لأبيها في الحلم , تذرف الدموع و فمها الباسم يبتلع مرارة الكلمات و قلبها أخذ يخفق مع المقطوعة .. حتى توقفت عن الحكي و قالت لي : هل رأيتِ كم كنت محظوظة .. حتى بعد أن ماتا يبعثون لي بقصص أعتدت سماعها في فراشي و أنا في مهدي ..
إني حينها تفكرت في قصاصة ورق كنت أبكي ضاحكة على بلاهتي .. الحب يا سادة , كونُ بحاله و ما سعيت خلفه و ندمت على فقدانه كان رحيق زهرة ذابلة في هذا الكون ..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire