mardi 3 juillet 2018

رفقًا بنفسك


لقد اشتقت إليها . لقد رحلتُ عنها دون تفسير . في مثل هذا اليوم من عشر سنوات , كان قلبي يتلهف لكي يسمع مجرد نبرة لصوتها . لم أرحل , لقد هربت . لم أهرب منها و لكن من نفسي معها . يا لك من تافه و ساذج ! تعض الآن أناملك ندمًا على ما فوّت . لم تتحمل بضع اللحظات . غادرت دون سبب تقوله . لم أجد حينها كذبة مقنعة تجعلها تصدق أنني لم أرد أن اتركها هكذا . هي سترى ما يطفو من حقيقة أمري ... شخص متخلف و مشوش يهرب دون سبب و نتيجة هذا ستنساني .
هاتفي يرن الآن . إنها تتصل بي . عشر سنوات و لم تمحُ رقمي . جسدي بات كموج يتصاعد ليلتقط غيوم سماوية ثم يهبط ليسمك برمال شاطئ الطمأنينة . أصبحتُ أعمى , فقعت عيناي لكي لا أعذب نفسي برؤياها . لكن قلبي ظل مرابطًا . لم ييأس يومًا منها . كنت أخبره أنني يأست , و أن كل نبضاته مُهدرة , كان يقول لكني أحب أن أظل معها , أحب أن أراها ... اتركنا نحظى بنعمة تأملها . كنت حينها بصيرًا . عشر سنوات من دونها كانت كافية لأكون ضريرًا .
سمعت صوتها فانشرح صدري و ذابت أضلعي المُحاصِرة . أرادت أن تقابلني , لقد قالت أنها تريد أن تقابلني .
تقابلنا في أول مكان جمعنا ... لم أتمكن من مشاهدتها و لكني تخيلتها .
كانت ترتدي الأبيض و الأسود و عيونها البديعة تتأملني كما يتأملها قلبي البصير , بخصلات من شعرها التي أمدت به الشمس و عبّادها , أزاحت ما وقر في روحي من ضياع .
الآن أدركت السبيل . عقدٌ من التيه و في لحظة تجد نفسك قد وصلت لوجهتك التي لم تكن يومًا متيقنًا منها .
كنت أسمع صوتها ... قالت :
- أين عينيك ؟
ضحكت و أخبرتها :
- معكِ .
سألتني من جديد و بنبرة جادة :
- كف عن مزاحك ... ماذا حل بك ؟
أخبرتها :
- لقد اشتقت إلى ... محادثتنا .
قالت :
- و لِم لم تحدثني ؟
- لأني كنت جبانًا ... لكن فلتخبريني أين أنتِ في الدنيا ؟ لا أجد لكِ آثرًا .
- لا تغيّر الموضوع ... ماذا حدث لك ؟
- لا شيء ... لقد وقعت على دماغي ... فضاع نظري , بكل بساطة .
- إذن و كيف جئت إلى هنا ؟ لماذا لم تخبرني بهذا ؟ كنت سآتي لمكان قريب لمنزلك .
قلت بسخرية و رثاءً لحالي :
- أنني صرت ضريرًا فقط , لم أصبح مشلولًا بعد .
ثم ضحكت من نفسي . حينها كنت أريد أن أضمها إلي و أخبرها أنني آسف .
فإذ بي اسألها :
- و أنتِ ؟ أين أنتِ ؟ هل تزوجتي ؟
- لا , بل انتظرك .
انتفض قلبي المضطرب و سألتها :
- تنتظريني أن اتزوج قبلك ... هل هذا ما تقصدين ؟
لم أرى وجهها و لكن الابتسامة جعلت السماء تمطر احتفالًا ليس بكاءً .
فقالت بثقة :
- نعم انتظر زواجك ... أليس في نيتك ؟
- في نيتي ... لكن من سيقبل بمن أضاع نظره ... لسبب ساذج . تخيلي , لقد كان حادث تافه , تعثرت قدمي قليلًا بقدمي الأخرى و هبطت مؤخرة رأسي لتقابل سن الرصيف . تمامًا كالأفلام الرخيصة .
- هناك من ستَقبل ... لكن لا تَخف و ستآتيك في أي لحظة . ألا تذكر حين كنتُ أنا خائفة ... هل تذكر ما كنت تقوله ؟ كنت تخبرني أنني أقوى و سأتمكن من المضي للأمام دون حتى مساعدتك . هل تذكر وقتما حدثتك عن كل شيء ؟ أين ذهبتَ يا ندل ؟ و الأهم ... لماذا ذهبت و أنا في أمس الحاجة إليك ؟
لم أملك حتى الآن ردًا . لا أملك ردًا واحدًا .
- لا أعرف . لكن ما كنت أعرفه ...  أنك دوني لن تتأثري .
فسألتني على الفور :
- و ماذا عنك ؟ ألم تتأثر ؟
- أنا في كل الحالات متأثر ... أنا في كل الحالات ضعيف , و مبالغ في نفسي , و سرعان ما أهرول ناحية باب الطوارئ حتى قبل إندلاع الحريق .
- لكن ماذا فعلتُ أنا ... هل لتلك الدرجة آذيتُك ؟
- ستعرفين في وقتٍ ما ... أنكِ السبيل الوحيد لشفائي من الضرر الذي أصاب عيني ... فكيف للدواء أن يكون داءً ؟
- لا أعرف و لا أفهمك .
- و لا أطلب منك سوى أن تتقبلي عذري عن هروبي , و لكني أجدك الآن تبلين بلاءً حسنًا .
- إذن فالعمى لم يصب عيونك فقط , بل أصاب شغاف قلبك ... أيها الغبي !
لم تتجرأ على قولها من قبل . و تركتها تكمل فتقول بغيظ :
- بلاءٌ حسنٌ . أنت تصدق ما تقول ؟ لقد رحل عني الجميع و لم أملك أحد غيرك يحنو و يُسمِعني كلمات تحتاجها روحي . كنت تشعرني أنني لست بمفردي , كنت أريدك أن تتكلم . كنت أخشى فقدانك . كنت أقلق على غياب سؤالك عني , كنت أخشى أن تفرقنا الحياة , و كنت تخبرني أننا نفترق عاجلًا أم آجلًا . لِم لم تترك الظروف تفرقنا ... لِم تستعجل الفراق ؟ لِم الرحيل مبكرًا ... إن كان حتميًا ؟
أنا منذ ذلك الحين و أنا أشعر بالذنب ناحيتك .
أُعاقِب نفسي على ذنب لا أعرف إن كنت قد اقترفته أم أنني بريئة . هل كنت احتاج لعشر سنوات من أجل إيجاد تفسير لما فعلته ؟ لِماذا ... ؟
اندفعت و قلت :
- لأني كنت أحبك . أحب من لا يحبني كما ينبغي . القلوب و الأرواح ليست بأيدينا , لم يكن من الممكن أن أجعلك تنظرين إليّ كما نظرت أنا إليكِ . لم أكن محظوظًا , فلم أرد أن أصبح تعيسًا . لقد حمدت الله على العمى . أنا الآن في هذا الظلام لا أرى سواكِ . لا أحد يشوش عليّ خيالي . لا أحبط هنا ... هنا في الجنة التي أنتِ ملكتها . لهذا لم أطلب منك الرحيل ... لأني أعرف أنك لن تقبليه بسهولة . لم أرد سوى مأوى يحميني من تهوري و كلماتي غير المحسوبة . كنت سأخسرك للأبد ... مثلما أفعل الآن !
-  من قال أني سأخسرك ؟ كنت أريدك أن تخبرني بهذا منذ عشر سنوات .
- و ماذا كنتِ ستقولين ؟
- لا أعرف ...
- كنت لتقولين ما سيخمد نيران شوقي هذا ... كنتِ ستخذلين أوهامي . حمدًا لله أنكِ لم تخبريني .
- لا تحكم هكذا عليّ ! كف عن هذا ! كنت اتركها لي ... ليتك خاطرت بهذا .
- و ليتك أدركتِ بمفردك !
أمسكت بيدي حينها و بدفء منبعث من أصابعها الحريرية و عذوبة صوتها الذي تحاكيه أبرع الأصوات و هدوء يشي بما حاوه قلبها قالت لي :
- رفقًا بنفسك ... رفقًا بها !
ثم رحلت من جديد .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire