vendredi 27 mars 2015

صُدفة مُتوقعَة

صُدفة مُتوقعَة


الفصل الأول
هم ثلاثة لم يتصوروا يوما أن تُفرقهم متاهات الدُنيا ، إنهم ليسوا كباقية الأصدقاء ممن يقضون وقتهم فى إلتقاط الصور و مجاملة بعضهم بالكلمات ذات الإحساس المفقود ... ثلاثة أخوة من نَفس الجِينات ، كانت الروعة فى تبادلهم أطراف الحديث ، دون حواجز و لا سخرية مُبتذلَة ... يُصلون غير مُتكلفى التقوى ، يضحكون و حدَهم هو الهزل ، يقرأون و غايتهم المتعة و ليس التفلسف .
شخصيات مختلفة ، ابعدتهم صدفة و جاءت بهم فى بُرهة ..... !!
طارق ، أُسندَت إليه مهمة حضور مؤتمر لرجال اﻷعمال الشباب من قبل رئيس شركته المنعقد فى شرم الشيخ ، و قد قارب من السن الثلاثون ، و قد لقب من قبلهم بال"مبذر" و عندما وصل نبأ تعيينه لأصدقائه ، كان التوقع منهم " البنك فى ظرف يومين سيشهر إفلاسه " ... هذا التوقع جاء من أصغرهم عمرا و من لقبوه ب"صاصا" ، كنية لاسمه الحقيقى مصطفى .
مصطفى ، صاحب الأربعة و العشرون عام لم يَعرِف فى حياتِه إلا الإبتسامة ، لم يذهب الى سُرادق للعزاء حتى لا يُسبب إحراج لأقارب المتوفى بسبب وجهِه الضاحوك ، كانت بداية البسمة عنده لتصل لنهاية تدمع العيون من أداء لا يقل أبدا عن أى مُهرِج فى السيرك ، بعد ما حصل على شهادة جامعة حكومية ، امتهن العديد من الأشياء حتى جاءت الفرصة و ظفر بوظيفة فى إحدى محال تأجير معدات الغوص فى شرم .. و عندما آتى قبَّل يداه و حمد ربه قائلاً " الحمد لله يا رب ، اشتغلت الحاجة الوحيدة اللى بفهم فيها " ...
حسين ، كان لا يعرف فى حياته سوى قصص الغرام و منذ صغره كان متيم بفيلم " تايتانيك " ، مُرهف الحِس ، تبارت الفتيات من أجل امتلاك قلب حسين ، و آنذاك كان هو راهب ... لا تمتلكه أيا منهن فقط سمح لهن أن يتلقين منه بعض الكلمات الرقيقة ، و بعد مرور ربع قرن من الزمان منذ جاء للدنيا.




الفصل الثانى
لطالما حمل كل من حوله الغبطة لجمال شخصيتها ، تأدبها فى حديثها ، خجلها غير مُصطنَع ، روحها المرحة و تحولت الغِبطة لحسد حين آتى مازن .. طفلاً جمع بين روحين لا يفترقان ... فقد أحبها حُب حواء لآدم ... حب الروح الواحدة .
حسين ، ثالث الثلاثة ، جاء قادمًا من اﻻسماعيلية حيث يُقيم و برفقته مازن و نوران زوجته ليستمتعوا باجازة هادئة فى إحدى القرى السياحية ... ليأخذ قسط من الراحة ، من المَدرسة و التدريس .
انتهى طارق من إستعداده لليوم التالى ، و قد أتطلع على جميع الملفات المطروحة فى المؤتمر و قد تبقى من الوقت ما ليس بالقليل ، فقرر الغوص بما أنه بمفرده و حتى يصبح بعيدًا عن مشقة العمل و بالفعل أتمّ ما قرره ...
حسين ، من أول بُرهة طأت قدميه المكان ، سعَى جاهدًا ليرسم البهجة على وجه نوران و مازن ... فأول يوم لهما سيكون على ضفاف البحر و يستجما و هذا أثار حفيظة الزوجة الغيورة و تجاذبا و تنافرا إلى أن كفة الغيورة غلبت المُغَار عليه ... و قد قررا الإستمتاع بمنظر البحر من شُرفتهم أما مازن فيكفيه فرحا أن يعبث فى حمام السباحة .... و بعد موافقة "مُرهَف الحِس" أخذ يتحجج حتى يَخُرج و يقضى أجازته بعيدًا عن روحه لسويعات ... ..
فأسرَع على سلالم الفندق ، حتى كاد يسقط و كأنه حصل على براءة من مؤبد ... احيانا يكون الحب قيدا لا تمتلك له مفاتيح . و إذا به يصطدم برجل ضخم الهيئة ، يرتدى قميص يبرز جسده الرياضى المتناسق و شارب قد أُزيل لتوِه و لحية شابهت عشب الخريف .....


الفصل الثالث
_أسف جدا .. مأخدتش بالى ... من ثمّ تمعن وجه الرجل الذى اصطدم به و شعر حسين أنه يألفه و لكن تراجع " يخلق من الشبه أربعين .. أكيد مش هو "
_عادى محصلش حاجة . رد طارق بصوته الجهورى الذى يناسب هيئته الضخمة تماما و لم يكترث و استمر فى طريقه و لم يأبه بالموقف .
و فى حين أدرك طارق سبيله ، كان حسين هائما لا يدرك وجهته فقط يسير .. و لكن هذا التيه وهبه راحة اشتاق إليها ...
و بمجرد تخطى المتجر الخاص ، و ترّجل لبعض الخطوات فصار نائيا لكن أثارت الضوضاء نفس حسين و خصوصا أنه رأى حشد من الناس يحيطون بالمتجر .. ففضوله وجهه عائدا لمسرح الأحداث .
الفصل الرابع
أحيانا الفضول يَقتل ... يَقتل و لا يُقتَل .
أدخل حسين ذراعه بين أجسام اصطفت ، و حاول جاهدًا ليصل و يحتل مكان ليشاهد الموقف و يحاول فك الاشتباك .
و بالفعل ، بعدما نال المركز اﻷنسب ، فإذا بالرجل و الشاب يتعانفون و كلاهما قد أصر على رأيه .. طارق العنيد قد قدر سعَّر المُعدات بما لم يُرضِى مصطفى ال"فِتَك" ..
نظر حسين لما رآه و هو فى غاية التَعَجُب ... " ازاى مش فاكرين بعض؟ ! و الله الدنيا ديه صغيرة فعلا " .
فإذا به ينظر لطارق و يتأمل انفعال مصطفى ، و فجأة و دون سابق إنذار و وسط سكوت يتبَع العاصفة تلك المرة .
أنزل حسين كفه ، ليُخلاط وجه مصطفى ... صمت و ذهول الجميع بما فيهم طارق
قائلا " أخوك الكبير يا صاصا يا تافه " !!





الفصل الخامس
عندما أصغَى مصطفى للقبه الذى مضَى الكثير و لم يسمعَه ... مُجرد كلمة " صاصا" أرجعته لطفولة و عنفوان مراهقته .. تلك اللحظات التى طبعت فى ذاكرته ، لم و لن تمحى ، و بعد تلك الصفعة من حسين ، وثب مصطفى و راح يحتضن صديق درب حياته ... عِنَاق أنساه الصفعة ..ذابت كالسكر فى كوب الشاى الساخن . أما رجل الأعمال فأخذ يستوعب ما يجرى ، صفعة يصاحبها عناق لا يحمل إلا الشوق .. فتساءل ( دول عالم هبلة باين عليهم ) .
و فى وهلة نظر مصطفى لطارق ، و قد كانت نظرة اختلفت تماما عن مثيلتها منذ لحظات .. و ضحكا حسين و مصطفى متأملين طارق المندهش ، غير المُستوعِب لما حدث لتوه ..
حسين : أنت لسه موصلتكش المعلومة يا "مبذر" .
طارق وسط صمت مقيم ، كسر بكلمات نطقها : حسين الحونين ... و صاصا التلفان .
و بالفعل اندفع نحو حسين و احتضنه حتى اعتصره بين ذراعيه المفتولتين و بنفس الطريقة جاء عناق ل"صاصا" و لكن لم يسكت بل حاول مصطفى الافلات منه معللاً طلبه قائلا : ربنا مديك صحة .. متخلصهاش عليا لوحدى يا أستاذ طارق .
انفض الجمع من حول الثلاثة و بعد أن مضت لحظة اللقاء .. و قد حانت الفرصة ليمضوا ليلتهم سويا خاصا أن مصطفى لم
يكن قد انتهى من عمله فى المحل و كانت الساعة الثالثة عصرا .. و لهذا اقترح أصغرهم أن يتقابلوا مرة أخرى فى ذات المكان و لكن فى تمام العاشرة مساًء ..
فأجابا اﻷخرين بالموافقة على الفور ، و تساءل حسين : حنروح فين طيب؟
أردف طارق : مش فارقة المهم نكون مع بعض ، و بعدين مادام معنا "صاصا" يبقى حتبقى رحلة متتنساش .
ابتسم مصطفى قائلا : خليكوا واثقين فيا .. أنا من كتر القعدة هنا حبقى مرشد سياحى قريب .
إلى لقاء مترقب ، افترق الثلاثة و القلوب قد انتشت بلقاء الجميع كان فى أمس الحاجة إليه .....
الفصل السادس
إنها قارَبت العاشرة ، مُجرد دقائق تفصلهم عن اللقاء المترقب .
وصلوا فى العاشرة تماما ، و قد انتظر طارق و حسين ما فى جعبة "صاصا" .. و عندما أراد حسين الاستعلام من مرشدهم عن وجهتهم .. جاء رد مصطفى : المفاجأت مينفعش تتقال قبل ما تشوفها عينك .
و قد بدأت الرحلة ، صحراء شاسعة عامرة بالصخور و الرمال المحمولة على الرياح .. و فقدوا حينها الاحساس بأيديهم .. يتسلقون المرتفع هذا و ينخفضون مع كل سهل يُقابلهم ، و طارق و حسين اتفقوا على جملة واحدة تذكروها كلما أجهدوا ( كله يهون ما دام فى مفاجأة ) ..
نظر أحدهم فى ساعته ، و بكل حماس و اندفاع لا يدركه سوى قائد معركة ضارية : ( انت يا زفت انا صحتى على قدى أحنا حنوصل امتى ) .
فسرق مصطفى يديه و قاله ( وصلنا اهو .. ايه رأيكم ) مبتهجًا مهللاً و كأنه وصل لجنة عدن .
رفع طارق حاجبه ، و تحسس لحيتها التى فى سبيلها للظهور ، قالها و غضبه قد تجاوز الحد المقبول ( لا هايل ، منظر جميل ، جايبنا كل ده عشان نقعد نتفرج على جبل .. هى ديه المفاجأة )
حسين قاطعه ( لا يا عم انت متعرفش مصطفى .. أكيد عارف المكان ده كويس بس هو بيهزر (
_لا على فكرة انا مبهزرش .. بس مكان جميل كده لوحدك .. مفيهوش صريخ ابن يومين .. نتقتل و محدش يعرف يجبنا ) هكذا برر موقفه ، وسط اندهاش اعترى حسين و غضب حمله طارق حتى احتقن منه قائلا ( انت عمرك ما حتكبر يا بنى .. جايبنا مكان انت مش عارفه و لا فيه ناس و لا حتى فيه شبكة)
استوى مصطفى على أحد الصخور ذات السطح الأملس ، مشاهدا للقمر و لم يعنيه أى شئ سوى أن يستمتع باللحظة .
الفصل السابع
احتقن حسين و ضرب بقدميه الرمال و استحال وجه لكرة من النار فى ظلام دامس حاصرهم من جميع النواحى .. و مع كل ضرب يُزيح كتلة من الرمال مكونا ثقبًا احتوى حقيبة لا يعرف لها مالك ظهر منها جزء تحسسها حسين بقدميه و أشعل طارق النار بأخر عود كبريت فى جيبه لينتشلوا هذه الحقيبة و يعرفوا ماهيتها .. و بالفعل أخذوا فى تفحصها عندما آتى "صاصا" بكشافه لينير ما ستره الليل و دفنته الرمال .
كم من الورق الهائل ، شركات و حسابات فى البنوك و أرقام لا تعد و لا تحصى ... مع كل ورقة يرتاب مصطفى و حسين ، و مع ذلك لم يأبه طارق باﻷمر و حدثهم ( كل ده ورق ملوش قيمة... رجعوا الورقة مكانه )
مصطفى : ( يا عم خلينا نشوف حنخسر إيه؟ ! )
حسين : ( ارميها يا مصطفى و سيبها و خلينا فى الخيبة اللى حلت بينا يا عبقرى .. نقولك عاوزين نخرج تقوم توهنا )
أمسك حسين بيد الشنطة و بعد أن فرغت من الورقة و كاد أن يلقى بها لتدفن من جديد .. استثقلها و تساءل ( الشنطة ديه فيها حاجة .. ثقيلة ليه؟ ! )
طارق اطفئ آخر سيجارة و أمسك بالحقيبة و تعالى صوته ( يا عم ورينى كده .. ادى الشنطة اللى مضايقكم ) و انهال عليها بيديه التى سرعان ما
تحولت إلى نصل حاد و بدأ يفتك بضحيته ..
و بعد أن لفظت انفاسها الأخيرة ، رفعها و مد يديه فى الهواء و أخذ يأرجحها حتى انهالت نقود من تلك الجراح العميقة التى تسبب فيها..


الفصل الثامن
صدمة خيمت على الموقف ، لم يصدق أى منهم أن تلك اﻷموال غير محصورة
مصطفى : ( يا دين النبى .. احنا بقينا أغنيا مرة واحدة ... مبدئيا كده تتقسم علينا قسمة العدل و محدش يقول ديه مش بتاعتنا لو حد قال حرام أنا حتطلع عن شعورى و ممكن اتلفظ بحاجات متعجبشكم فانلم فلوسنا كده )
طارق : ( يا عم براحة على نفسك انت لقيت مغارة على بابا .. مش كده .. الفلوس على بعدها متكملش ميت ألف دولار )
استعجب حسين من رد طارق : ( طبعا ده مبلغ صغير بالنسبة لك .. يا مؤمن دا أنا جاى شرم هنا بعد ما عملت جمعية و قبضتها اﻷول )
مصطفى : ( لا خلاص انت مش محتاج تعمل جمعيات تانى يا سحس ، انت ترستق أمورك بالفلوس و تنغغ نفسك انت و أم مازن و مازن )
( الفلوس ديه مش بتاعتنا ، مش حناخدها و خلينا نرجع بقى لمكان ما جينا بلاش وجع دماغ ) شهيق طويل ، زفيره لم يطل من قبل طارق بك .
مصطفى : ( انت مش عاوز و لا محتاج غيرك محتاج و بعدين ......)
و إذا بضربة موجعة فى مؤرخة رأسه طرحته أرضه ....
الفصل التاسع
لم يستفق مصطفى ، حتى وجد وجوه لم يألفها من قبل و نظر من حوله فإذا به يرى حسين و طارق مكبلين و أيديهم من خلفهم منكسى الرأس ... و عندها تأمل رجل ذو عباءة بيضاء و لكنة بدوية يتبينها الكفيف .
مصطفى : ( إيه يا عم ده .. إحنا فين؟ و أنتو مين؟ و مين الغشيم اللى ضربنى ده .. اشوفه بس )
و عندها استفاق طارق و استعاد حسين وعيه ، عند سماعهم صراخ صديقهم الذى فى طريقه للانتحاب .
رد صاحب اللهجة البدوية الجلية فيما معناه أنهم اجتازوا حدود قبيلتهم و هذه حدود النار من يتعداها لن يخرج منها سوى ليلقى نار أشد .
حسين : ( لا بالله عليك ، عندنا عيال عاوزين نربيهم .. قولنا طالبتك و احنا موافقين )
و آتى طارق مسرعا بعرض لا يمكن رفضه ( بص احنا نتفق تسيبنا نمشى و حد يرجعنا ﻷقرب مكان للفندق .. و مقابل ده نديك مية الف دولار ... افتكر مفيش أحسن من ده عرض و لو اقتلتنا انت مش كسبان .. فكر العرض مغرى ) حينها ظهر ما يبرع فيه طارق و هو إقناع العميل بالعرض .. و بالفعل أومضدت عينا أحد وجهاء القبيلة .. و استحسن العرض المقدم ... فكت القيود و أخذ البدوى الأموال و على وجهه نهم و طمع لا آخر لهم .
بعد أن انتهى الموقف بأقل الخسائر ... و غادروا المكان بصحبة مرشد من القبيلة ليدلهم على الطريق ... و على باب الخيمة رجع مصطفى و على وجهه مشاعر غضب و الاحتقان و اتجه نحة القبيلة مندفعا فى ظل خوف من صديقيه من أى حماقة من الممكن أن يرتكبها هذا " التلفان " .....

الفصل العاشر
مصطفى : ( عديت فلوسك يا عم الحج ... مقولتليش مين اللى ضربنى على رأسى .. ما انا مش حسيب حقى ) و فى الحال أجاب أحد الحراس و تحول أسفل مؤخرة رأس مصطفى لمحصول فراولة طازج .
( هو حضرتك؟ ! أنا بحيي فيك قوتك ديه .. ايدك تقيلة ... فرصة سعيدة ... سلامو عليكو ) قالها "صاصا" وسط استهان حصل عليها من خاطفيه و سخرية صديقيه طوال الطريق حتى وصلا إلى متجر "مصطفى"
إنها السابعة اﻵن ، بالطبع على حسين أن يهرول ليطمئن نوران و يطمئن على مازن و طارق أيضا يجب عليه أن يهرول استعدادا للمؤتمر الذى سيعقد بعد حوالى الساعتين ... أما مصطفى فسيهرول إلى منزله و لن يخرج منه حتى تقل درجة حرارة أسفل مؤخرة رأسه .
و افترقا الثلاثة ، آملين فى صدفة أخرى تجمعهم ، و كل يغنى على ليلاه متذكرين اﻷموال .. و حدثوا أنفسهم
مصطفى : ( الفلوس مش مكتوبلنا .. أرخص حاجة دلوقتى فى حياتى هى الفلوس .. و أغلى حاجة هو أنك تلاقى اللى جنبك و انت مبسوط معاه ... صحابى دول مبتعوضوش (
حسين : ( فلوس ايه بس .. كفايا الستر و الصحة و ان مازن و نوران بخير(
طارق : ( أحلى حاجة فى الرحلة ديه أن كل أحداثها جات صدفة .. زى ما قابلتهم كده انهارده )
و كما قيل من قبل " كلٌ يُغنى على ليلاه " ......

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire