mercredi 8 avril 2015

ما زال على قيد الحياة !!!

ما زال على قيد الحياة ...!!
الفصل الأول
_خلاص أنا حضبط مع المندوبين و أتفق مع كام واحدة كده من اللي ليهم في موضوع الدعاية ده و حروح كارفور اللي على بوابة الصحراوي و احجز مكان بس أهم حاجة حضرتك تديني التمام قبل يوم السبت عشان ألحق أعمل كل ده.
_مفيش مشاكل يا أستاذ عبد الرحمن، حكلم الرئيس التنفيذي للشركة في اجتماع النهاردة و إن شاء الله العرض ده بتاعك، و عموما ديه مش أول مرة تشتغل معنا .
_أكيد يا فندم، أنا بشتغل معاكم بذات عشان شركة تحترم الاتفاقات و ليا الشرف أني أسوق عروضكم، لعل و عسى مدير الشركة يكتشف موهبتي و يعيني مسئول التسويق هنا.
من هنا انتهى الحوار بين الباش مهندس إيهاب المسئول عن ملف التسويق و الاعلان في شركة ( اللؤلؤة)  لمتسحضرات التجميل، و بين عبد الرحمن المثابر الذي يسعى دوما لإتمام أي صفقة و يظفر بأكبر حد من الربح ممكن... هو و شطارته بقا.
نزل الشاب ،صاحب الواحد و الثلاثين عام، الدرج ذو السلالم العريضة متأملا مبنى الشركة و عيونه تشع طموح في أن ينشأ ما هو أفخم منها في القريب العاجل.. مستحضرا صورة والده الحاج ( محمود) و هو يذكره على فراش موته أنه سيرى ما يدهشه من الدنيا، ليس مصائبها و لا عقباتها بل عجائبها و دوما كان محمود طبيعي إلا ان أيام الأخيرة التي استلقى فيها على فراش موته كان يهلوس و عبد الرحمن لم يملك حينها سوى أن يهدأ من روعه حين يستثار و يضع الدواء و الحساء في فمه، ظلت تلك الأيام تطبع في ذاكرة عبد الرحمن لا يمكن لكائن من كان أن يمحوها.
و على الرغم من تذكره لتلك الأوقات العصيبة من حياته، إلا أنه بدأ يتذكر أيام المصيف مع محمود و منى والدته التي أسرت نطفة من روح ولدها و صعدت بها إلى جنة عدن السماوية، و لكنه يدرك لم فعلت هذا، يدرك جيدا أنها اختلست تلك النطفة ليعود إليها في الآخرة،  تذكر ال"شورت الأبيض" و " الشمسية غزيرة الألوان المبهجة " و " الكراسي البلاستيكية " و " قرطاس اللب الأسمر " و " العوامة ذات رأس البطة " و من هنا ارتسمت بهجة في روحه ممزوجة بعتاب للزمن الذي يحرمنا من استعادة مثل تلك اللحظات التي لا تقدر بمال قارون،  و بذلك عبر من بوابة الشركة بعد أن هندم بزته الرمادية اللون ليبدو أمام المجتمع الكفيف رجلا محترما شكلا لا مضمونا...  سلم على المهندس ايهاب بعد أن أخذ منه عهد بابرام اتفاق قبل يوم السبت القادم ، نسى عبد الرحمن الساعة في البيت فسأل الحارس عنها إنها الحادية عشر... أصاب جبهته بكفه معلنا أنه نسى شيئا هام لا يستحق منه النسيان أبدا.
أوقف سيارة تاكسي جاءته من السماء في ذلك المكان الموحش في ساعة متأخرة من الليل، فتح هاتفه الذي أغلقه بسبب اجتماع العمل و لقى رسالة تخبره بأن هذا الشخص الحامل اسم my love.
حاول الاتصال بك 35 مرة و آخر مكالمة في ال10:45
و على الفور كلمها : قبل ما تزعقي بس قوليلي انتي فين.. فين... مش سامع..... خلاص خلاص ...عشرة دقايق بالكتير... خلاص يا ليلى مش حتأخر متتلعيش بس للشارع.
اخبر عبد الرحمن السائق أن يتجه نحو فرع فوادفون في مدينة نصر، فصمت السائق معلنا موافقا مكتفيا بتحريك رأسه.. لم يطل صمته، فقد سأل السائق، المتطفل ذو الشارب الأسود و الذقن غير المهذبة و يبدو من هيئته أنه في الاربعين من العمر، قائلا ( خطيبتك صح... متخفش مش حنتأخر عليها) 
رمقه عبد الرحمن بنظرة استحقار تبينها بكل سهولة بأغلق فمه طوال الطريق و لم يفتحه سوى عندما كان يفاصل على خمسة جنيهات زيادة طلبها السائق،  و لم يرضخ عبد الرحمن و صار سيدا يأمر ... حتى جاءت يدا من وراء ظهر عبد الرحمن لتدفع الخمس جنيهات... نالها السائق و هرول بسيارته... 




الفصل الثاني

_ انت لسه حتفاصل مع السواق و سيبني ملطوعة بقالي أكتر من نص ساعة... يخرب بيت بخلك يا عبد الرحمن.
_طبعا ما سيادتك مش عارفة أنه بيطلع عيني فيها الخمسة جنيه ديه... و بعدين انتي مش المفروض الShift. بيخلص الساعة ال11:00 و لا انا متهيألي.
_المدير قرر يخرجنا بدري حبة فكلمتك و قلت نخرج و نروح أي حته بما أننايوم الخميس و لا خطبتك ملهاش حق عليك .
_لا... ليها طبعا، نروح حته جديدة و نغير السينما ديه و جروبي اللي بنقعد فيه من الستينات.. ده ابوكي و ابويا لما يخرجوا امهاتنا حيبقوا مبتكرين أكتر من كده.
_شوف اهو احنا بقالنا قد ايه نعرف بعض.... حوالي 27. سنة كده ... حصل تسونامي و ثورتين في مصر و زلازل و مجاعات و كوارث قد ايه... كل ده و مش بتتعظ ان ممكن ربنا يعمل فيك حاجة وحشة طول ما انت بتتريق كده.
_بصي ، النهارده حيبقى يوم مختلف صدقيني يا " لوولة " ..خروجة ملهاش حل بس كلمي طنط و قوليلها انك معايا و حنروح سوى عشان متقلقش.
_ يا " لووولة " تصدق انت لو متعمد تقفلني مش حتدلعني كده ...ابهرني بقا و قولي حتوديني فين يا حبيبي؟
تساءلت و هي بين رغبة في أن تتعلق برقبته و أن تكسرها في ذات الوقت، الغيظ يثب من عيون ليلى و الحنان يتدفق في سواعد عبد الرحمن التي أمسكت بيد معشوقته ليعلنا بدء فصل جديد من كتاب معنون بأسرار حبهما و مكتوب بحبر دواخلهما الصافية... لم تتفهم ما السر اتخاذ عبد الرحمن طريقا صلاح سالم ليسلكه و كلما سألته كان يتفادى السؤال و يغير مسار الحوار متسائلا عن حال أمها المريض التي تعاني الأمرين بسبب ارتفاع الضغط و السكر و خشونة المفاصل، و ما إن تخبره ليلى بما أصابها كان عبد الرحمن يتحسر و تستدعي ذاكرته الأيام الخوالي التي جمعت بين عائلتي الحاج محمود و الحاج أمين القاطن بالشقة المقابلة لمنزل محمود... مفهوم الصداقة أو الأخوة لا يصلح لتفسير علاقتهما ببعضهما البعض و ترعرعت الفتاة تحت أعين عبد الرحمن و على الرغم من نضوج جسدها و اصبحت ممشوقة القوام وصل الجمال الالهي في وجهها البشوش، ذات العيون الخضراء التي لو اجتمع رسامو الكون كلهم لعجزوا أن يصورها في لوحة... ليس هي بل عيناه فقط ، فلم يشتهيها عبد الرحمن سوى أم لأولاده....
الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
المكان : شارع صلاح سالم أمام قصر البارون
_الساعة واحدة يا حبيبي... حتروحني امتى؟ هو انهاردة الخميس اه بس بردو العقل حلو و النوم أحلى
_النوم أحلى من انك تبقي معايا؟
في ثواني معدودة سال الدم و تدفق ليصل لكل ثغرة في وجهها ... ابتسامة خجل لم يراها عبد الرحمن منذ وفاة الحاج امين الذي مضى على اربعينه حوالي الشهر و النصف.
احتضنها غير مكترث لما سيقوله الناس عليه، و لحسن حظه أن الشارع كان خاو و لا يراهم سوى الله الذي أحاط حبهما النقي بستار رحمة و ظل مغفرته.. و كأن الله قد أمر الكون أن ينظر بتمعن لعبده و ليلته... فرأى عبد الرحمن الشمس في غموض و ظلام  الليل بجوار القمر، و كأنها طالبت حضور لترى ابداع الله في خلقه . ليلة المعجزات، فالشمس لا تتوهج، ليست قاسية كعادتها بل هي في اهون حالتها و ابهى تثوير من بدء الخليقة.
_يلا حنعدي، هاتي ايديكي.
_حنعدي ايه.. و ليه... احنا ايه اللي جابنا هنا اصلا.. و بعدين ايه هاتي ايديكي مفيش و لا عربية معدية و لا حتى توك توك
_ ما انا بخودها حجة... هي ديه اول مرة يعني يا بت ... مش فاكرة و احنا صغيربن كنا بنروح مع بعض وايدينا فإيد بعض فضلنا ماسكينها لحد ما ايدي نشفت.
توقفت فجأة و تراجعت مصطنعا أنها تشعر بالضيق لما قاله عاشقها و معشوقها قائلة :
_ كده يبقى شوف مين حيعدي الشارع معاك بقا !!!
نظر خلفه و حاول أن يحسن من وضعه فطبع القبلة على جبينها قائلا ( حقك عليا) 
و من ثم اخترقت معه الشارع و عبرا الضفة الاخرى بسلام و  كان الانبهار يطل بكل صوره في عيون العشاقين في الارض من براءة معمار القصر... و لكنهم مروا بجانبه مرور الكرام و اخترقا شارعا جانبيا و ابتعدا قليلا عنه... و لكن ظل القمر و غريمه التقليدي في حالة لا توصف، متصمرون أمام معانى الانسانية التي تكمن فيهما.




الفصل الثالث

ماذا ستفعل أيها العاشق في ليلتك؟  هذا ما تساءل به الجمهور، أخذها عبد الرحمن و تمشيا في الشوارع الضيقة حيث الظلام الذي حاصرهم من كل ناحية و لكن سلط القمر ضوءه على أبطال مسرحية اليوم، فافتضح أمرهما و فجأة و دون سابق انذار سحب يد ليلى و اتجها نحو سور من الحديد المقوى الذي من الصعب تبين أوله و آخره في تلك الظلمة، ثم حينها سألته و بدى الخوف واضحا في تعثر كلمات فهي رجعت و لو لثواني لارتداع الطفلة :
_إنت موديني فين يا عبد الرحمن؟
قبض على كتفها و ضمها إلى صدره و كأنه يستعيد جزء مبتور منه فطمأنها :
_انهاردة يوم مش حيتنسي ابدا.... و حيبقى محفور في دماغك لحد يوم الحساب و حتفكريني بيه و احنا قاعدين فوق وسط ملايكته و تحت ظله.
حين قالها، هدأ قلبها المضطر و ما عساها أن تتنطق.. صمتت و هي تتأمله... هذا الصمت الأبلغ من جموع الكلمات المتداولة منذ طآت قدمي آدم الجنة.
نظر بتربص إلى جنبات الطريق حتى يتأكد أنه في أمان حتى لا يتم ملاحظته، و فجأة قفز من أعلى السور دون أي مقدمات... صرخت فيه بصوت خافت :
_انت مجنون... انت رايح فين .... بلاش هزار
لم تستوعب ما حدث لتوه فراح عبد الرحمن يشد من أزرها لكي تعبر الضفة الأخرى و بعد جهد جهيد بذله العبد في سبيل اسعاد ليلته وثبت بسرعة غير مصدقة أنها بمجرد عبورها أصبحت إحدى ملكات مصر.
أمامها قصر البارون، المتوج بالأضواء البيضاء التي تعطيه فخامة مزدوجة و سرعان ما رحب بهما، فحين دلفا ازدادت حدة الضوء لتنير للمكان قبل ان تنير للأحباء.....
ركع و تشبه بالممثلين الاجانب في الافلام الرومانسية محدثا ايها بكل خضوع و لهفة و اشتياق لعيناه الذاهلتين :
_ يا أجمل ليلى في الدنيا... القصر ده بتاعك انهارده، هدية بسيطة كده.
بدأ الخوف يزول تدربجيا و جوهرتيها أخذتا تلمعا و قد شل لسانها، لم تفقه قول شئ سوى أنها اتلحمت به ( عاشق و معشوق) 
استلقيا على أرض فناء البارون، و اسندا رأسهما على خضرائه وسادة مريحة لقلوب في غاية الارتياح.. يشاهدان جمهورهما السماوي و من ثم نظر إليها :
_انا اجبلك قصر اه... بس متبقيش ملكة... الامراء و العامة حيموتي فيكي و انا مش حسكت ساعتها حقتلك ساعتها.
_الله على رومانسيتك يا عبد الرحمن... بس عموما متقلكش انا حبقي الملكة العبدة و العابدة لأميري و ملكي.
فقبلها على جبينها من جديد، و نظرت هي ،و جفونها تمنع دموع من النزول خوفا من أن لا تتكرر تلك الحالة مجددا .... و كعادته أطبق الصمت عليها بعد ما حدثته... الهدوء ما قبل العاصفة
فجأة مجددا داهمها : يلا قومي بسرعة دلوقتي... لازم نشوف قصرك حته حته.
_لا كفاية كده يلا نروح بقا أنا بدأت أخاف و الوقت اتأخر قوي، و لو حد جيه حيبقى الوضع مش لذيذ.
_مش لذيذ؟!  انتي حلفا انك متكمليش حاجة حلوة لاخر... و وضح على ملامح وجهه الغضب و الاستياء
_خلاص. خلاص يلا بينا ندخل... بس العشاء انهارده عليا... حأمر الخدم يجهزوا أحلى عشا لاحلى " عبدو في الدنيا " هكذا استرضته ليلى حتى لا تعكر صفو ذلك اليوم الذي على وشك البداية
صعدا السلم سويا، ممسكة بكتفه كالغريق المتمسك بطوق النجاة الأخير ، حتى وصل لقمته.. كان الهدوء قد خيم على الوضع و شعر عبد الرحمن ببرودة الجو و خفوت الضوء... و على بوابة الخشبية الضخمة ذات الطراز الايطالي المبهر، افتتح العبد القصر لليلته التي انارت باقمار عيونها الطريق امامه... و لكن لاحظت شئ غريبا، في حين انبهار عبد الرحمن بالمشهد منعه من تلك العبارة المكتوبة على الجدران القصر بخط كبير و جلي... ( لسه عايش!!  )
تسألت الفتاة : شوف يا عبد الرحمن... فاهم حاجة
فرد على الفور : لا اكيد، و ايه الباب الصغير ده كمان
امعنت ليلى النظر، و سبقت يداها قولها ففتحت الباب قائلة :
_ ده سرادب....!!!!!




الفصل الرابع

عقدا نيتهما و شرعوا بأولى خطواتهم ناحية السرداب، كان متسخا و قد عفى عليه الزمن مغمور بالاتربة و على سطحه مدينة بأكملها من بيوت العنكبوت التي من السهل معرفة أن مضى الكثير على حياة تلك العناكب عليها،
حاول أن يتخلص عبد الرحمن ليرى اين مقبض هذا الباب، و في خضم هذا كانت هي طفلة مرتدعة ، و لكن استطاع عبد الرحمن أن يهدأ من قلقها المتنامي و ها هو يفتح الباب عبر المقبض النحاسي الصدئ.
فإذا به يرى سلالم حلزونية و لا يوجد أي طوابق، و النور ما زال خافت حتى تبينت ليلى انبعاث الضوء في اخر مسار هذا الدرج.... و قبل أن يتراجع عبد الرحمن استوقفته _هده المرة _ و تطفلها اجبرها على اقناعه لينزلا و يعرفون ما تخبئه الاضواء التي تتعالا مع اقترابك للاسفل.
_ سامع اللي انا سمعاه... فيه صوت حد تحت يا عبده.
_اه طب تحبي نكمل و ننزل نشوف جاي منين الصوت ده.
تراجعت في القرار،  و تسولت منه ان يتراجع معها و يتركا هذا المكان المهجور، و بدأت الهلاوس تحل بعقلها و تستحضر مشاهد من فيلم الرعب التي شاهدته ليلة أمس :
_انا بقول كده كويس جدا، نرجع بقا كفاية اوي.
_يا بنتي خايفة من ايه... خلينا نكمل حنخسر ايه ...متقلقيش العفاريت ماتوا مع ابويا و ابوكي.
_يا سيدي ريحني بقا.... تعالا نمشي بس... مش انتا عاوز تبقى رومانسي... و تثبت انك بتحبني خلاص حقق لي امنيتي... عاوزة اروح.
تجاهلها عبد الرحمن و اتخذ فضوله و حدسه سبيلا و مرشدا له، و كلما اتجها سويا لاسفل وجدا ازدياد انبعاث اصوات حتى وصلا إلى نهاية الطريق، فاذا ببوابة عبور كتب بجوارها على الحائط ( لسه عايش!!) 
قالها مستنفرا و مستثار بشدة :
_و بعدين بقا في موضوع لسه عايش ده. ....انا مش راجع ببتنا غير لما اشوف الموضوع ده ايه حكايته.
_يا عم المفتش كرومبو.... ابوس ايديك روحني طيب، و تعالا دور على الحكاية ديه براحتك... ذنبي ايه انا بس.
فتح الباب غير الموصد،  و لم يتفوه بكلمة حين رأى المشهد، اندهاشه اخرس فمه و لم تقدر عيناهما عن تصديق ما رأيا..... السقف مزخرف بحرفية شديدة ،و اللوحات الملكية تملئ جنبات القاعة الفسيحة التي يتنقل فيها للخدم في نظام و انتظام و صرامة و ترتيب و اناقة، تشع القاعة ذهبا... ذلك الذهب الدي رصع به جميع الاثاث من مقاعد و الأعمدة تحمل تلك الردهة التي مثلت ممرا للانتقال بين الاجنحة الملكية...
استوقف عبد الرحمن خادم أسود اللون،  صارم الملامح،  ودود و بشوش، و بكل دهشة :
_هو احنا فين؟
_قصر البارون.
_ايوه، انت بتعمل ايه هنا؟
_من خدم حضرة الملك أحمد فؤاد.
جاء الرد من فم اعتاد الاعتراض حين تسنح الفرصة، فسألت :
_مين سيادتك؟  الملك احمد فؤاد..... رئيس جمهورية مصر المتحدة صح؟
_انا مش فاهم هاجة خالص منكوا.  قالها و ابتعد حتى يلبي طلبات رئيس الخدم مسرعا.
_انتي فاهمة حاجة با ليلى.؟؟
_تقريبا عبد الناصر مات و الملكية رجعت و احنا مخدناش بالنا... او بمكن ما فيش جمهورية ..لاغوها.
_طب تعالي، يمكن لو قابلناه يفهمنا حاجة.
_مين هو؟
_الملك احمد فؤاد.
رمقته دون ان تبدي اعتراض و لكنها ما زالت قلقة و قلقها مصحوب بعدم استياعب للامر
مرا بالغرف المغلقة عبر الردهة حتى وصلوا للقاعة الفسيحة حيث يوجد الاناس غريبة الشكل غير مألوفة الملامح و لا ثقافة..... ترفع و تأدب اسعد العاشقين كثيرا و تمنيا لو يظلا طوال العمر سويا هنا.
ذابا ببن الجمهور و لم يكترث بهم أحد ظنا من الحاضرين انهم من الممكن ان يكونوا خدما للملك....
_بص هناك كده يا عبد الرحمن.
_هناك فين..... اه هنا.
_مش ده عم محمود....!!!!








الفصل الخامس

_بابا؟!!!  لا ديه الحكاية وسعت أوي. الدهشة تسيطر على المشهد، وسط علامات الاستفهام المنتشرة في كل ثغرة في عقل الشابين.
_تعالا طب نقرب كده يمكن سراب يا حبيبي.... أو يمكن حد شبهه.
لم يهتم بما قالت، و شرد عقله لوهلة استعاد فيها مشهد احتضار والده و صوت الانتحاب و العويل الذي غطى جنبات المنزل، و لا يمكن أن تمحى مثل تلك المشاهد التي كتبت بكل قطرة دمع هطلت من قلبه الدامي... و لكن تذكر وفاء ليلته بعهدها بأنها ستظل بجواره حتى يهين عليه الامر.. فإذا هان قلبت هذا الأسى لابتهاج لا ينضب مصدره. فلم تجد الفتاة أي طائل  من الانتظار، فقررت أن تقتحم ليصلا سويا لحقيقة ذلك الرجل .
وجدا رجلا واثقا، يأمر دون أن يعصى له أمرا كمن يصدر الفرمان، لو تأملته من بعيد لظننت انه الملك... ذو شارب داكن اللون ، يرتدي بزة في منتهى الاناقة، ذات منظر باهي و جذاب... حينها ساور عبد الرحمن الشك في أنه والده فهو لم يعرف ارتداء ال"بدل" إلا في أضيق الحدود.
بدأت هي الحوار، وسط صمت و ذهول اسر ملامح عبد الرحمن، و قالت :
_عم محمود.... أنت بتعمل هنا ايه؟
استغرب محمود هذا اللقب، فنظر على الفور خشية أن تلطقت أذن الخدم كلمة " عم " و تصبح مستساغة في أفواههم فقال :
_الاستاذ محمود يا فندم.... نعم أقدر أساعدكم ازاي... عاوزين مين؟
ضحكت بصوت رائق و اسندت يداها إلى كتف محبوبها و قالت :
_شوفت أبوك يشرف إزاي.... بقا باشا من البشوات الكبيرة في البلد شكله كده. ثم اعادت توجيه كلماتها لمحمود قائلة : انت مش عارفنا... انا ليلى أمين و ده محمود ابنك.
ضغط على اسنانه و تكلم كاظما غيظا عظيم و قال :
_ ما انا عارف يا متخلفين... انا في شغل دلوقتي، حتروحوا و مش عاوز حد يعرف اللي شوفتوه انهارده و خصوصا أمك.. موجها حديثه لابنه عبد الرحمن.
خرج عبد الرحمن من سجن صمته و تخلص من أغلال اندهاشه، عبر تساؤله المنفعل ...فسأله :
_لحظة طب قبل ما نمشي... انت شغال هنا بتعمل ايه؟ و ملك ايه اللي الخدام بيقول عليه؟ و بعدين انا دفنك بايدي دول، انت ازاي عايش لحد دلوقتي؟
ضربته ليلى ضربة خفيفة بقدميها لتعنفه بسبب ما قاله، فضحك عم محمود و لم يآبه بما سأل عبد الرحمن ابنه به و استعاد هدوءه و زفر نفسا طويلا و قال :
_عبد الناصر.... اعتقل هو و شوية الضباط اللي معاه... و فاروق اتنازل لاحمد فؤاد عن الحكم... و انا هنا شغال رئيس الخدم و المشرف عليهم ...و بالنسبة لآخر جملة ديه حسابها نصين و أدي أول نص
و انهالت الصفعة لتكاد تصيبه بالعمى و كأنه ارتكب ذنب لا يغتفر ....
_قوم يا زفت..... الساعة بقت ثامنية.... ليلى بتكلمك بقالها ساعة و انت عامل زي القتيل مش بترد، قوم بقا.
هزته و استفاق عبد الرحمن من نومه العميق.....!!!!
_الساعة كام يا ماما؟
ردت :ثامنية يا بيه.
_بابا هنا؟
_آه بيفطر اهو.... الحقه قبل ما ينزل الشغل مع عمك أمين.
أكثر الايام التي ابتهج فيها قلبه،  قفز و هرول نحو والده و حضنه حضنا لم يعهده أبيه و لم يتبين له مبررا، قائلا ( الحمد لله)  .
إن لذة الحياة موجودة،   حتى في الكابوس فانها تكمن في لحظة الإفاقة. من تجدهم اليوم لن تجدهم غدا، يتبدلون و يتغيرون حسب ظروف الحياة... اغتنم الفرصة و لا تقف محلك سر... سر إلى الامام و لا تتراجع قيد انملة، فالتراجع لم يكتب سوى على مرتكبي المعاصي.
دلف الفتى ليغتسل و يرتدي ملابسه واضعا على كتفه حقيبة تحمل في طيها كتيبات و " كتالوجات " ليبدأ رحلته في البحث عن من يكترث و يشتريها.
خرجت ليلى من بوابة العقار المقابل لمنزل عبد الرحمن، و هي في غاية الجمال و الاناقة غير المصطنعة،  و على الفور قالت :
_مش عارف ان عندي مقابلة في أول يوم شغل و لازم اروح بدري... شركة فوادفون مش شركة اللؤلؤة هي اصلها.
_اشمعنى اللؤلؤة يعني؟  رد و وجهه يبتسم.
_اهو اي اسم و خلاص.... متغيرش الموضوع اتاخرت ليه بردو.
_يلا بينا طيب و في السكة احكيلك...........


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire