mercredi 13 mai 2015

عاصمة الملح و القسوة !! ( الاسكندرية )

عَاصِمَةُ المِلْحِ والقَسْوَة
تذكرت المشهد ثانية على الرغم من صعوبته , اتذكركِ يا هيباتيا و أشتم رائحة دمائك الذكية على أرض( الملح و القسوة) و رأيتك في عيون هيبا الدامعة , لم يكن بمقدوره فعل شئ سوى تأمل روحك تصعد لسماء الراحة فودعك و ترك هذه المقبرة و هام على وجه لا يعرف أين المفر  ........
رجعت لمنزلي كعادة كل يوم , ولم آكل فاقداَ شهيتي لا أرى في باقية هذا اليوم الخير , أشتم تلك الرائحة ....رائحة موت و عزرائيل مُقيم لدينا منذ فترة و أخذت تراودني مشاهد في غاية الدموية حتى أني رأيت يداي ملطخة بدماء ضحية اليوم المرتقبة .
 الطعام على المائدة , جاء الجميع و ينقص الطاولة فرد واحد و هو المِلح ... طُلب مني فأسرعت من خطواتي و نزلت حتى وصلت لأرضية الشارع , فإذ بي أصافح فلاناَ و عِلاناَ و قلبي ينبض مضطراَ خائفاَ من هذا الهدوء و حينها استجمعت قواي المتهالكة من منظر علّق في ذاكرتي و لم يغادرها فطلبت من البائع أن يبتاع لي المِلح لأنقذ الباقية من الجوع ...قال لي انتظرني لحظة من فضلك .
في خلال الحديث , زحف الشياطين ناحية حارتنا و سمعت صوت الأحصنة و لكني لم أرها , الدماء في عيونهم تفيض و تنزلق حتى تصل لأفواهم و يلعقوها بألسنتهم  حتى يظفروا بفريستهم أو غنيمتهم  ...
صوت أم فزعت , جعل عيناي ذاهلتين و حينها لاحظت خروج الجميع من أروقة منازلهم و أرادت عيناي أن تطمئن على عائلتي , الأم مازالت تنتحب بكل ما وُهبت حينها من عافية , فحركتُ قدماي كما هو الحال من سائر الرجال في باقية حارتنا , خطوات حذرة تحمل طيها القلوب المرتجفة من الصوت المنبعث من عقار الضحية.
بكيت عندما رأيتكِ تبكين , لم يكن بيداي ما بمقدوري فعله سوى أن انتزع روحي و أهبها لكِ بعد أن سلب أخوكِ روحك في هذا العراك . الدموع كانت تتنزل واحدة تلو الأخرى لا تعرف السبيل , فقط أرادت أن تخرج من هذا القيد .

رأيته جثة على الأرض , فلقد أتوا به من عُقر داره  الأشبه ببيت العنكوت الهش , تقاذفوه بأقدامهم بعد أن لاحظ الجميع عمق الجروح التي طالت كل جزء من جسده الهزيل و أمطروا بسيوفهم على ظهره و جرَوه على بساط الأرض المحفوفة بقطع الزجاج و المسامير البارزة على أرضية حارتنا و كل منها علقت في روحكِ المسلوبة يا حبيبتي !!

أراني فيكِ الآن رغم أني على يقيني أنني وحدي لن أكفي ...أصبح الفراغ يملؤكِ .
أمك تهُزكِ و أنت صموتة  , قتلتيها ثانية بعد ما أُوخذ منها فلذة كبدها ...كُل هذا و أحدٌ لم يحرك ساكناَ و كأننا في لحظة قيام الساعة التي لم يَحن موعدها بَعد ....
 كأننا أعتدنا المنظر الدموي منذ صلب المسيح , منذ سريان الدماء على جبين محمد يوم أُحُد , منذ هُتكت كل قِطعة فيك يا هيباتيا ...الدماءلن و لم تعرف سوى الأحمر , أحمر الخدين خجلاَ , أحمر القلب شوقاَ , أحمر الوجه غاضباَ . مات كالدابة العليلة , التي لا آمل فيها سوى إعدادها كوليمة تقدم لصعاليك الحيوانات .

ذهبوا و تركوا الحارة الفسيحة ضيقة جداَ من زحام أرواحهم التي انسلخت منهم واحداَ تلو الآخر مع كل قطرة دم ينزفها الضحية  , و عندما آتاني بالمِلح قلت له ليتك جئتني به قبل أن يُملأ لساني به , من مرارة ما شاهدنا و حينها نظرت إليك من النافذة و شاهدتك لأخر مرة ...شاهدت السُرادق المقام في عيناكِ , و المُقدمون لواجب العزاء يصطفون ليجاملوا في فناء روحك الخاوي يا من كنت معنا !!


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire