mardi 5 mai 2015

الحكاء

الحَكّاء
يتنامى إلى أذاننا عبارة ( الأيام تُنسي ) و تلك الجملة لا تنطبق على ما هو على وشك الحدوث إطلاقاً . أتذكر ما يعجز من يكبرني عن إستذكاره , و ليس كل ما ترى أعيننا هو عين الحقيقة و اعتقادي الذي لا يساوره الشك , أن الدُنيا برمتها ما هي إلا صدفة دربها خير مدبر , منا مَن يرى في الفرصة حظه الوافر و من يجد نفسه مفلس الفرص و لكنه مفلس الأمل . يبدو الكلام عبثي بعض الشئ , غير مرتب الأفكار , غير مترابط أو متماسك في طرحه , لكن صدقوني ما هو آت جعلني مندهشاَ حتى أنني تلعثمت و راجعت نفسي مراراَ و تكراراَ حتى كدت أتراجع و لكن عقدت نيتي و بللت أوراقي بحبر عيون التي شاهدت كل ما هو آت .
طَرْق باب منزلنا , دفعني للقيام من على المنضدة التي اضجعت عليها مشاهداَ أخر الأخبار في العالم الدموي الذي سيطر عليه الخبل و الجنون و اللامعقول , فتحت الباب دون أن اثقب نظري من ( العين السحرية ) لمعرفة من الطارق . فإذ به أمامي , هذا الكائن البغيض , ( هشام ) ابن ( عم محمد ) مالك عقار العائلة القديم في ( الحسين ) , هذا الشئ أمقته منذ كنا صبية , حبست أنفاسي فهو _كالعادة_ لا يحمل لنا سوى الكوارث . قابلته بفم مشدود بحِبال المجاملة و التأدب , و من ناحيته فبادلني بسمتي السمجة بوجه لا يعرف سوى الصرامة و الجدية .
قُلت : اتفضل يا أستاذ ( هشام ) ميصحش  من على الباب ؟
قال لي بصوت معتدل النبرة , و أخذت الابتسامة ترتسم على وجهه العابس طوال الوقت :
_معلش , فرصة تانية , أنا بس عندي رسالة كُنت عاوز أبلغ الأستاذ (سمير ) بيها .
_لا الحقيقة , بابا لسه مجاش , بس أنا أوصل له الرسالة , خير بقا إن شاء الله ؟
هو : _آخر الأسبوع , العمارة حتتهد , جالنا إخطار من الحي و فيه أمر إزالة ...جيه من حوالي أسبوع كده بس كُنت مشغول و قلت أديكوا خبر .
تمنيت سماع خبر وفاتك حينها يا ( هشام ) و دعوت الله لحظتها بخشوع و خضوع لعلنا نستريح من أخبار المشؤومة على الدوام . كُنت حينها محتقناَ جراء الخبر المحزن , رأيت أطلال المنزل تسيطر على شارعنا الواسع , هذا الشارع الذي كثيراَ ما تقاذفنا فيه أزقته الكرة و تعناقنا و تعراكنا و تبادلنا العناق في كل عيد , رائحة ملابس العيد ما زالت عالقة في أنفي لا تغادرها , كل هذا استحال إلى رُكام سيؤول في النهاية إلى محزن القمامة .
استعار انتباهي قائلاَ: حضرتك معايا يا أستاذ ( حسن ) ؟
_معاك ... متقلقش بابا يجي بس و أقوله  و قبل آخر الأسبوع حيكون البيت فاضي ...شرفتنا !!
أغلقت الباب في وجه البغيض دون إلقاء السلام , حتى أحدث صوت جذب أمي و سألتني من كان الطارق ؟ فقلت لها : ده الواد هشام ابن صاحب بيت جدي .
هي : - يا نهار اسود ...و جاي لينا ليه دلوقتي ..خير يا حسن ؟
أنا : -هو ده اللي يشوفه ..يشوف خير أبداَ يا ماما ...الشحط جاي يقولي أن البيت جاله أمر إزالة ........
ارتدعت أمي و الخوف تغلغل ليسير في كل شربان و وريد حتى كادت تتحول لجثة هامدة , خوفها لم يكن متمثل في الهدم بل في رد فِعل والدي ...نبضات قلبها جعلها تجلس على الجزء المتح من المقعد على طاولة الطعام المُحضرة لتستقبل بها أبي .
حضر الوحش الكاسر , بدت ملامح الإرهاق تتسرب من بين تجاعيد وجهه الشرس , السواد يحاصر عيونه من افراطه في عمله , و الملحوظ يومها تبينته فقد أصبح الأسد بلا مخالب . مائدة الغداء على أهبه الاستعداد , لم أتفوه بحرف كما هو الحال من أمي و أختي اللتين أخذتا في الإنكباب على الطعام  و العيون كلها تراقبني , تنتظر مَن سيثير هذا الثور الذي على وشك الهياج في القريب العاجل كما تشير التوقعات . حينها ترددت ملايين المرات و لم أعرف ما إذا كان هذا الوقت المناسب لإذاعة الخبر التعيس . حسمت قراري حتى اتخلص من العيون المتربصة , و بكل ما أُوتيت من شجاعة , بادرت بمحاولة لجذب انتباه هذا الرجل الذي لم يعد يتحمل المزيد من الأعباء و ترسبت الهموم تحت أغصان الجفون الهشة التي خلت من ثمار السعادة و التفاؤل .
انا:-بابا, مش هشام ابن عم محمد صاحب البيت جالنا انهارده ؟
حينها أبي غرق في شروده , فلم يهتم و اصبح أشبه بالطائر المُغرد خارج سربه . ساعدتني أمي في محاولة إنعاش الرجل المُغيب منذ دخوله لبيتنا كأن أبي استبدل نفسه بشخص بين الحياة و الموت , قالت له :
-سمير ...حسن بيكّلمك .
استفاق و حوّل نظره إلىّ و سرعان ما أمسك بريشة و هو في عجلة من أمره و رسم ابتسامة على وجهه , ابتسامة لم تُضف سوى شذوذاَ للوحة معنونة ( لقت نفسي مصرعها بسبب سهام متاعبك أيتها الملعونة ) قاصداّ دنيته التي ضاقت عليه .
_ايوه , يا حسن , معلش مأخدتش بالي ..كنت بتقول ايه ؟
-هشام جالنا انهارده .
اه , كويس جالنا ليه ؟
قصصت له المعضلة و رأسي منكسة متفادياَ بذلك إنفعال غير محمود العواقب , الذي أذهلنا أن رده جاء على الفور بعد أن علم بالخبر :
-تكلم ولاد عمامك و تروحوا الشقة بكره و تفضوا الشقة من أي حاجة قديم .
تكلمت من لم تفتح فمها منذ صباح اليوم , مستنكرة ما قاله لتوه , قائلة :
-يعني ايه خلاص كده ... و أنت  مش حتروح معاهم ...ده بيتك حتسيبوا يتهد كده ... معقول يا بابا ؟
وضع آخر كسرة خبز أمامه , و دفع الصحن للأمام و قيامه من المقعد أصحبه بحركة رأس للأعلى قائلاَ:
-الحمد لله ...أنا حروح أنام تصبحوا على خير .
سألنا أمي _أنا و أختي_ما خطب والدي , ردت أنها ليس على دراية بما يدور في خلده تلك الأيام , فقد أصبح شبحاّ و أمرتني أنا أطيع و ألبي طلبه في أسرع وقت و كما ينبغي .
بالفعل رفعت سماعة هاتفنا , و حدثت كل من هو معني بالأمر و الحمد لله ظفرت بموعد مناسب للجميع و جمعت شمل شباب العائلة الأشداء , للقيام بمهمة البحث تحت أنقاض البيت الذي لم يُهدم بعد .....
صبيحة اليوم التالي , كلمت من هو أصغرنا سناَ , (مروان) , مراهق في آخر سنة في المرحلة الثانوية , لايعنيه شئ في الحياة سوى إشباع رغباته و احتياجاته , أخبرتني والدته عندما هاتفته مرة أخرى على البيت أنه يكِد و يتعب و هو الآن يتلقى درساَ و يمكنني أن أحدثه في غضون ساعة من الآن إذا استدعى الأمر , غير هذا فعلىّ أنا انتظر ( المحروس ) , فألقيت السلام كختام و ضحكت لأنني أعرفه جيداَ , من أهم سمات هذا الشخص هي الرعونة , فطلبته على الفور على هاتفه المحمول و بسرعة جاء الرد بصوت يُحيطه صخب موسيقى في منتهى الارتفاع و بدأ الحوار الذي لم يستغرق طويلاَ :
هو:-ايوه يا حسن , عامل ايه يا معلم ؟
أنا :-الحمد لله يا مروان , كلمتك عالبيت , أمك قالت لي أنك في الدرس .
هو:-آه طبعاَ , أنا في الدرس أهو , انت مش سامع .
أنا:-درس ايه ده اللي صوت الأغاني أعلى من صوت المدرس ؟
هو : آه درس موسيقى (أسديكي )
أنا : المهم بس , عندنا مشوار لازم نقضيه في بيت جدك و أنت حتيجي معانا أنا و ولاد عمامك , و الحوار ده حيتعمل النهارده .
هو:-يا معلم , أنا دايس معاكو في أي حاجة ....طب سؤال ...بما إننا حنروح لوحدنا ممكن أجيب معانا واحدة صاحبيتي ..أهي تعملنا شاي أو تراجع لي درس الموسيقى ؟
أنا :- اقفل يا بني , الله يرضيك .
مروان هو مَن يتقن فن الدعابة و كان جدير بأن يآسر قلوب عائلتنا التعيسة ليبعث فيها الحياة مرة أخرى , و أحببتْ فيه أنه محب للحياة , مهم ضاقت عليه و كشرت عن أنايبها فيقابلها بإحدى نكاته فتمطر السماء بدموع الفرحة و الابتهاج .
حان الدور على ( علىً) , هذا الكائن السَمِج الكريه الكروه , البغيض المبغوض من قِبل جميع أفرا عائلتنا الكريمة .
 دنياه متمحورة حول أموال والده التي تأتيه فلا تكفيه . حيث أن السفه بلغ ذروته في حياة هذا المهندس , صاحب راتب 3000 جنيهاَ , و لكن حقاَ كيف تكفيه و هو مبذر بطريقة غير طبيعية , ملابس ذات علامات أصلية تقضي على نصف راتبه بالإضافة لثمن الإقامة في إحدى أفخم الفيلات في مدينة الإسماعيلية بعد أن استقر هناك حتى لا يكون بمنأى عن مقر شركة البترول . أمسكتْ بلجام أعصابي حتى لا ينفلت مني أي لفظ بذئ يُؤخذ علىّ بعد ذلك , أثناء محادثته و شرعت قائلاَ :
أنا :-ازيك يا باش مهندس , (حسن) ابن عمك .....معلش أنا عارف أنك مشغول بس لاوم تيجي انهارده معنا أنا قلت اتأكد انك منسيتش .
هو : ماشي , رغم أني كان وراي حاجات كتير بس لازم أجي عشان أنا وعدتك ....مع السلامة يا حسن .
أغلق الخط , و معه تماسكت و تمسكت بأوتار قدرتي على  التحمل و التحكم . و أما بالنسبة للأخير , فهو ( لطفى ) الفرع الصعيدي , الطيبة تبلغ مداه عنده , على سجيته لا يعرف في قاموسه الفكري شيئاّ عن ما يُسمى الحقد أو النفاق أو الكراهية , أنا أعشق هذا الرجل الذي يكبرنا جميعاّ سناّ و يسبقنا في طريق الصلاح و الاستقامة , رغم ذلك كان في نظر أفراد العائلة ورم في جسد معافى , خصوصاَ عندما تقدم لخِطبة أختي و رفضته بشدة أدمت قلبه , كان دائماّ محل سخرية لشباب و فتيات العائلة .
و لكني عندما أخبرته , قال لي أنه على أتم الاستعداد سيكون في انتظاري في الموعد المحدد و المكان المُتفق عليه و طلبه أن يتأخر الموعد ليكون بعد صلاة المغرب حتى يناسب موعد قطار الصعيد القادم للقاهرة .


الساعة السادسة و النصف .......تحديداَ أمام عقار متهالك في منطقة الحُسين
تقابلنا و لم ألقى ترحيباَ واسعاَ إلا من الرجل قمحي البشرة  , الذي ضمني بين يديه كأنني ولده المفقود منذ قرن من الزمان . أمامنا عقار خاو على عروشه , كُتب على جدرانه الملطخة بلوحات إعلانية قديمة و مقطعة ( هذا العقار إيل للسقوط , و هناك أمر للهدم بترخيص رقم .......)
خُضب العقار بلون رماد الموتى المحترقين شوقاّ للرجوع لتلك الأيام الخوالي . دلفنا من بوابو الدخول الضيقة التي تسع سوى لفرد واحد ذات الدُلف الشاهقة في ارتفاعها , عثرنا ,بعد ما تعثرنا بها , سيدة تشبه النساء الحبشيات لا يعرف وجهها أى جمال , كانت مثبتة على أولى درجات السُلم و تسُد الطريق بجسمها المترهل , و العباءة الواسعة كادت تتمزق من إفراط السِمنة التي تعاني منها بالتأكيد تلك السيدة الشائخة . القينا السلام فلم تبادلنا إياه و نظرت إلينا و الدموع تهطل من كل جفن متخذة خديها طريقاّ للتنجرف فيها و تصل إلى فمها الذي تغطيه حبات العرق .
السلالم كانت في منتهي الضيق , متسخة من قلة المارين بها و بات الضوء الخافت ينزوي رويداّ رويداّ فتصاعدت أضواء القمر الدافئة _ على غير العادة _ في تلك الليلة الباردة , في هذا العقار الموحش حيث شدّت الأشباح الرِحال و غادرته و لم يتبقي سوى ثلاثتنا .
وضعت المفتاح في مكانه , فإذ بالباب ينسلخ من موقعه و تفر الحشرات و الجرذان لتعود إلى جحورها مرة أخرى خوفاّ من صرير الباب ليس إلا . أوقدت الأضواء في الشقة المجهورة , ليتضح لنا ملامح الغرف قليلة العدد في ظل سواد يطوّق المكان بأكمله  ... حينها استعدت مع هذا النور تلك الذكريات , لدرجة أني شاهدت طفلاّ يشبهني تماماّ يجري في طرقات الشقة الضيقة معتبراَ إيها في عرض السبع قارات ...يجري هنا و هناك و روحه تمتلئ بالنشوة حتى كاد يطير و يرفرف بضحكته الصاخبة التى راقتني كثيراَ .
طلبت منهم أن يدققوا البحث , حتى يعثروا عن شئ ذو قيمة و أن يتركوا ( الخردة ) و بالتأكيد لم يضف ( علىّ ) المتعجرف الجديد في بحثه سوى بعض الملابس البالية و أما ( مروان ) فسأل : هو ليه إحنا بندور أصلا .. ما هو البيت مفيهوش حاجة و كده كده حيتهد بإذن واحد أحد ؟
أجابه ( لطفي ) بلهجته الصعيدية و بانفعال شديد و عنفّه قائلاَ : ممكن تسمع الكلام و متتكلمش خالص و تدّور كويس .
تركتهم و هم في خضم هذا الحوار سريع الوتيرة , دخلت إلى غرفة نوم جدي لعلي أجد ما هو نفيس ... لم أجد سوى بعض الجلاليب و المصاحف و أذكار الصباح و المساء ...كلها لا تنفع سوى عبداّ مؤمناّ ينهي فترة عقوبته في الدنيا ليستريح في دار الخُلد . أنزلت رأسي لأرى ما يوجد تحت السرير ..عثرت على صندوق كبير بعض الشئ و أخذت يدي تنغرس فيه لأنال منه أي شئ , كُلها ( كراكيب ) ....لكن استعادت الأمل حين وجدت كتاب غمر التراب سطحه و ستر عنوانه الذي كُتب بخط منمق فأحبتت هيئة الكتاب .. فتحت أولى الصفحات .. كانت الصفحات لونها مائل للإصفرار , مكتوب طيها ( لمَن يهُمه أمري ) . انتفضت من جلستي و استحوذت على الكتاب في حقيبة كنت أملكها حينها فأخذت الكتاب خِلسة دون أن يلحظني أحدهم . انتفض من جلستي و أمرتهم بالإكتفاء عن هذا الحد و أن هذا يفي بالغرض . قرأنا الفاتحة قبل أن نغادر على روح العقار الذي سيلقى حتفه فى غضون أيام .
خبأت الطتاب في مكانٍ ما في غرفتي , لن يدركه جدي نفسه , و شرعت في فتح الكتاب و كلي فضول لأعرف المزيد عن هذا الشخص من خلال حبر كلماته الصادقة و حروف مشاعره و وجدانه

الفصل الأول

( أحلى ما في الحدث ذكراه )

2 commentaires:

  1. femme dit demane fourniture majal magawche je regarder les cartable et les fourniture majal majal fabriquer maajal

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. svp aller parler avec l'homme je veux regarder les fourniture et les cartable

      Supprimer