samedi 16 mai 2015

تسحقيها !!

تستحقينها بجدارة 
 رأيتها من بعيد حتى بدت أمامي و شككت أنها قد تكون سراباً اتضح لشخصٍ ظمآن مثلي , لكني نزلت من  السيارة التي تقلني من مقر عملي للمنزل معللاً طلبي بأني قد سهوت عن شئ أريد أن أحوذه و لهذا سأرجع و اشتريه ...هكذا طلبت من قائد الأوتبيس الخاص بشركتنا الموقرة _التي بفضل الله و بمجهود موظفيها المجدين في أعمالهم _ قد أحرزت خسائر هذا العام بلغ المليون دولاراً ...هذا و الحمد لله اليوم تم صرف علاوة لجميع العاملين بالشركة " علاوة إجادة " .
نزلت من الأوتبيس و سلكت طريقاً مختلفاً حتى لا يلحظني أى من زملاء العمل الكرام اتسلل وراء سيدة أو فتاة حتى لو كانت في غاية البهاء ... فالثرثرة هي وسيلة التسلية الوحيدة في شركتنا , حتى بات العاملون فيها يشتغلون عمل الأُدباء في سرد قصص خيالية , فترى من يقص أن فلان على عِلاقة مع فلانة و هذا الفتى المُعين من قبل مجلس الإدارة يشوبه اتهام بالشذوذ الجنسي , و أن مدام ( ميرفت ) _بتاعت الحسابات_ بتسرق حوالي 10.000 ج شهرياً من خزنة الشركة و لهذا تخسر شركتنا المليارات كل عام .
كل هذه القصص المسرودة منها ما يدخل العقل و منها ما لا يفعل ...لكن ما لا يدخل يُدخله الفرّاش عندما يأتيك بفنجان القهوة و يحدثك عن الفجور الذي أصاب الأستاذة ( سَمية ) _ بتاعت العلاقات العامة_ تلك السيدة المتزوجة  و لكنها في الأوائل الثلاثينات من العمر ...فتسمع من ( عم فتحي) _ الفراش الهجاص (هكذا نعته )_ الأساطير حول ( سمية ) التي بلغت من الفجور ما بلغته إمرأة فرعون مع يوسف عليه السلام و الفرق أنها لم تتب  بل و تزيد من الأمر تعقيداً حين تأتي بملابس خليعة قصيرة تثير بها المكتب كله , حتى (عم فتحي) نفسه , لدرجة أنه جاءني و سألني ( ينفع كده اللي بيحصل يا باش مهندس ده ؟ )
فأتعجب منه و اسأله ( ايه يا عم فتحي بس .. حد مضايقك ؟ )
يقول ( الست سمية الله يلعنها ... احنا أعصابنا تعبانة  و كده كتير ... أنا بفكر اقدم استقالتي )
ضحكت له ( استقالة مرة واحدة يا راجل يا طيب ...و بعدين أنت مش كِبرت على الكلام ده )
رمقني و وضع فنجان القهوة و حدثني بصوتٍ منخفض  ( كبرت ايه بس يا عم خالد ... أنت لو جيت معايا البيت دلوقتي حتلاقي صوت الجماعة اللي بتصرخ جايب لآخر الشارع )
فلم اتمكن من أن اسيطر على تعبيرات وجهي حينها و أنفلتت مني ضحكة صاخبة لم يتبينها أحد من أعضاء المكتب الموقرين لانشغالهم بالثرثرة و التطرق لكل ما يخص الجدل و اللغو و اللهو ... أهم شعار عندنا في شركتنا ( لا يوجد وظائف لحاملي الضمير العالي )
نزلت و رُحت اسلك الطريق النائي , حتى أصبحت المَركبة بعيدة بما يسمح لي أن أسير وراءها و أعرف ما إن كان سراب أم حقيقة لا يمكن أن تغفلها العيون الصحيحة .
كلما اقتربت منها بدت بعيدة , دخلا شارع جانبي , فرُحت أخطو خطواتهم لا أغير من وجهتي  قدماً و كان يضع يداه المتسختين بقذارة روحه على كتفيها  ليحيطها و بدا أمامي كالضبع و هي لم تكن ضبعة بل لبؤة أنتهت لتوها من تناول أحشائي بكل شراسة و خساسة ...
حينها أحسست بنبضات قلبي تعلو و تعلو , فما كان لي إلا أن افتح أدراج روحي المتسخة إثر خطوات تلك الخبيثة و أضع داخلها قلبي بنبضاته و معها كل شعور طيب ناحيتها .....من يدري لعلني أفتحة مرة أخرى و أهبه لمن يستحق .
هربت الشمس و لم تغرب , هربت حتى لا ترى خطية مَن لا يعرف في حياته سوي الشهوة الحيوانية ...و ظل الليل غطى عليهم في أحد الأزقة و أنا اتابع عن كثب و أعرف ما سيؤؤل له الأمر و لكن حينها أردت أن أشاهدها لا أعرف لم تسمرت و أختبئت وراء عمود ( دكان ) مبني من الخرسانة يحمل عقار غير مكتمل البناء ..... كان يبعُدني عنهم عشرات الأمتار , لو جريتهم لوصلت لهم و أنهيت القصة و لكني فضّلت الانتظار .
قد شدّها من خِصرها و أدخلها إلى بوابة العقار المقابل المكتوب عليه ( تحت الانشاء ) , فلما دخلا للداخل أختفوا و لم يرهم أي شاهد سوى الله و العبد الفقير لله . تسللت على أطراف أصابع أقدامي و قد فرغ الزقاق من المارة و انغلقت أبواب ( الدكاكين ) , ربما كان يومها يوم الأحد و نحن في أحد حواري المسيحيين .... المهم , وصلت بعد جهد جهيد حتى لا أُحدِث أي ضوضاء و قد تسابقت أنا و دبيب النمل في الليلة الظلماء مسابقة من يحِدث صوتاً أكثر خفوتاً و الحمد لله ربحت .
شاهدت المشهد الذي كُتب عليه ( للضباع فقط ) , و أشكر ربي أن تخليت عن كل ما هو إنساني بداخلي و وضعته جانباً حتى أتابع و أحس بما تشعر بيه و هي في حضنه .
أنقض عليها و حاصرها من كل ناحية و أصبحت يداه قضبان تحبسها و انهال عليها ليعرف من أين يُؤكل الكتف .
 فأصابت سهام الرغبة ما تبقى من عفاف فيها , و في لحظة رأيت الضباع أمامي تهطل الرغبة من أفواهها و تنظر إلى ضحيتها في نهم و طمع في مزيد من التلذذ .... ضاعت حينها , ماتت في الزنزانة و بدت في غاية الاستسلام و الضياع حتى أسندت ظهرها إلى الحائط و ضربت برأسها مرة واحد هذا الحائط و أنا متسمر أمامها أنظر إليها دون أن تراني و حينها كانت ريح الاحاسيس تعصف بي .... إحساس الرغبة في المشاركة , إحساس البغض و الرغبة في الابتعاد , إحساس الاهتمام و اللامبالاه , الحب و المُقت , الذهول و الاعتياد , شعور الضحية و الجاني ....
انتهى المشهد البغيض أو بالمعنى الأصح أدركت ما سيؤؤل إليه الأمر , فتركتها إلى ستار الظلمة في الليل فالليل ستّار كما يقولون . همتُ في الطُرقات و لا أعرف لي سبيل و على عكس المتوقع  يتكرر المشهد أمام عيني كثيراً فلا أملك أن أجنّبه بل أنني انظر إليه ببصر دون بصيرة , و لكن قابلت من غيّر هذا المشهد لأحسن منه ......
أعاد من صحبني في طريقي للبيت لي الحياة من جديد , و أخيراً دُل الهائم على الطريق الأصوب و الأنسب له .
عُدت أدراجي و دلفت إلى البيت و لم أدخل المنزل بل فضّلت أن أكمل ليلتي أنا و الكون سويا
يستمع لما سأقصه عليه ليشُد من أزري لا ليوعظني أو يوجه إلى النصيحة , فاليوم قد سلط الله غضبه على بلد ( يوتوبيا ) و أهلكها كما فعل بقوم عاد , و أغرقها في أعماق خطايا أهلها كما أغرقك مع قومك يا فرعون .....
فإذا بي أرى جلباباً أبيض اللون , يشع نوراً تزوغ عنه الأبصار , جالس على سطح البيت الذي لم يحاصره سوراً , و على الرغم من هذا فرأيته يجلس على كرسيه على حافة السطح ينظر تارة إلى الشارع ثم يرفع  عينيه للسماء . إنه جدي , ( الحاج مكرم ) ...يبلغ سن السبعين و يجاوزه ببضع شهور , يمتلك حس مرهف ورثته عنه , واثق لا يتغلغل إلى قلبه شك أو توتر فيما يعتنق من أفكار أو معتقدات شاذة . فإنه يظن مثلاً أننا في الجنة , عندما نملل من نعيمها سنتمى النار ... و أن الصلاة تُؤدى من دون فرض من نص قرآني بل من فرض إلهي قابع في روح العابد .... لدرجة أنه يحتقر الملائكة  و يساويهم بالشياطين , لا في آجلهم بل لأن كليهما لا يدرك سوى الشئ الأوحد .... الملائكة تدرك طاعته و الشياطين تدرك عصيانه . قال لي ذات مرة ( أننا فقط يا بني من نمتلك الروح , الملائكة  و الشياطين لا يملكوا من أمرهم شئ .. فأنا أحمد ربي أني لم أكن ملكاً يفعل ما يؤمر و لا شيطان يفعل ما لا يؤمر )
تسللت و قلت بصوت خافت ( السلام عليكوا يا جدي )
أرجع الكرسي للوراء و طالعني قائلاً ( خالد , ازيك ..ايه اتأخرت ليه كده ؟ )
لم أرد على سؤال و عيوني ترقرق بالدموع  ناظراً إليه متذكراً للمشهد البغيض ...عندما رأني قام بسرعة من على كرسيه و جرّ قدميه نحو و لم يسألني شيئاً ...فقط سألني شيئاً واحداً , سألني عناق جسد بلا روح , فلم أبالي و لكن الراحة بدأت تأتي من بعيد .
قال ( الحاج مكرم ) : أنا حنزل فالسريع كده ...أعمل فنجانين قهوة و أجيب الراديو أبو سلك نسمع الست و إحنا قعدين سوا ....ايه رأيك ؟
أنا:- ماشي يا جدي . قلتها و مرارة دموعي أذوقها بلساني الجاف من ثرثرة روحي التي أبت أن تدفن و هي حية .. و لكني فاوضتها فلم تقتنع , فما كان مني إلا أن أعطيتها منوم طويل المفعول ,سريع التأثير .
قال لي : ايه رأيك كمان أجيب الشطرنج , نلعب  دور و لا أنت عندك شغل ...لا بكره الجمعة أجازة ...يبقى خلاص انهارده ليلتك يا خالد أفندي .
أسعدني هذا الكهول , أحببت هذا الشيخ حباً جماً و تمنيت من أن الله أن يجاوز عمره عُمْر نوح ... انتظرته  فلم يتأخر طويلاً , و جاءني لا يقدر أن يحمل كل هذا فوبخني بصوت منخفض طالباً مني أن اُعينه على حمل أي من تلك الأشياء التي من شأنها أن تسعدني و توصل البهجة بالكامل لروحي و بالفعل انتفضت و ساعدته و لكن كوباً قهوة من الاثنين وقعت على أرضية السطح الاسمنتية  و كُسرت و أعقب ضجيج الكسر صوت ( الست جمالات ) و هي تحيي جدي بتحية قليلة التأدب قائلة بصوت العاهرات في أزقة مصر القديمة ( ايه يا سي مكرم , مبقاش فيك حيل تشيل ...كاتك وكسة ...قال الدِهن في العتاقِ ...قال )
وضع الحاج الأشياء على الكرسي , و انعطفت رأسه ناحية شباك ( الست جمالات ) الذي يطُل على سطح بيتنا العتيق و سب أمها الساقطة بشفتيه حتى لا أتبين الشتيمة  و صورته كرجل وقور لا تتشوه . ضحكت ( الست جمالات ) ضحكة صاخبة لا تدل على دلال إنما على شئ آخر .
كانت تلك الليلة أطول واحدة قضيتها مع هذا الشيخ , الصوت يرتفع تارة و ينخفض تارة , الدموع تنهال من جفوني  بعدها يصاب وجهي بسعال من الضحك لا ينقطع حتى كادت روحي تخرج من جسدي , ليلة شهدت كل أحساس عرفه الانسان منذ معصية آدم حتى شتيمة جدي ل( الست جمالات ) .

( بعد مرور أسبوع  على تلك الليلة )

قد حان وقت ساعة راحة للموظفين , من يريد أن يأكل أو يؤدي مشواراً أو ما شابه ...خرجت من مكتبي و سلكت الردهة التي دائماً ما أقابل فيها ( نادين ) و لكن اللقاء لا يحمل أي شئ سوى نظرة ثاقبة منها إلى عيوني و أنا تائه في أعمالي و أشغالي اليومية في الشركة و كنت أكتفي بأن أمنحها ابتسامة ....ذلك اليوم مدّت إلى يداها لتلامس يدي فابتسمت و في لحظتها جاءني اتصال يحمل اسم ( وفاء ) اسم لا علاقة له بموصوفه , و لكني حينها لم أعرف ما أصابني تركت يدي تلقائياً ( نادين ) و امسكت بالهاتف و أجبت على المكالمة بكل شغف و تهور و عدم إحساس .

قالت : خالد ...ازيك ؟
أنا:-انا كويس , الحمد لله ...انت فينك اليومين اللي فاتوا دول , كلمتك كتير موبايلك بيديني غير متاح .
هي :-معلش يا حبيبى , أنا مردتش أشغلك ... أنا أصلي الشنطة اتسرقت مني و كان فيها الموبايل ....كنت في مول مع صحبتي ...فوقع مني و مش لاقياه لحد دلوقتي .....
ارتبكت فلم أعلق و تابعت المكالمة :- و ديه حاجة متتقلش بردو .. يعني أنا موجود و كان لازم تقولي لي , كنا عملنا محضر أو حاجة ..... الأهم دلوقتي أنتِ كويسة ؟
هي:-أنا كويسة و بقيت أحلى عشان سمعت صوتك و حبقى أحلى و أحلى لو شفتك يا حبيبى .
انا :- أنت متتخيليش أنت واحشاني قد ايه ... اسبوع بحال له كانت روحي واخدة أجازة بدون مرتب ..حتى كان فاضل كام يوم و تقدم استقالتها .

هي :-لا قولها , أنا جاية خلاص أهو . انهارده انت حتخلص شغل امتى ؟
انا :- تعالي الشركة و نتفسح و نروح سوا .....عملك مفاجأة تجنن .
هي:-ايه ده ...طب قولي عليها يا خالد بليز ...مش حقدر استنى لحد الساعة 7 .
أنا :-لو قلتها دلوقتي ..متبقاش مفاجأة ...و بعدين كفاية أنك حتشوفيني .
هي :- ديه حتبقى أحلى مفاجأة في الكون .
كلمات مثل " بحبك" و " بموت فيك" و " بعشقك " أضاعت علىّ الساعة الراحة و راح ال( سندويتش ) ضحية تلك المكالمة ...  و لكن الفرص جاية كتير ...اتجهت نحو المكتب  فإذ بي أجد من يعطيني ( سندويتش ) و ( حاجة ساقعة ) و يخبرني بأنه ليس بحاجة لهما فشكرته  و غربت عن وجهه حينها .......

( الساعة السابعة بالتمام ...أمام باب خروج الموظفين )

شاهدتها من بعيد , رأيتها متجملة  في ثياب السهرة , ارتدت فستان بنفسجي أبرز كل ما تحتاجه عين العاصي أن تراه و بفضل الله فالعصاه في الشوارع كُثّرلا يجدون لرغباتهم المكبوتة مفر , فباتت ( وفاء ) هذا المفر يومها , لم نتسامر كثيراً يومها و كان لسان حالها ( أين المفاجأة ) فوصلنا إلى مكان الحدث ...كان ملهى ليلي أو كما يُقال "ديسكو" , انتفضت من مقعدها و سألتني منذ متى و أن اعرف أماكن المواخير ..قلت منذ عرفت طعم الخمر على شفتاكِ
نزلت ففتحت لها باب السيارة و اصطحبتها للداخل ...من خلال بوابة كتب أعلاها بأنوار متلألئة ( La soirée) و حارس ضخم الجثة , طويل البنيان , أصلع , يرتدي نظارة ...تماماً مثل الأفلام الفرق الوحيد أنه كان يبتسم في وجوهنا أو بالأحرى يبتسم في وجه ( وفاء ) ..لا عذرا يبتسم في جسدها .

نزلنا إلى أسفل , على السلالم التي تقودنا إلى صالة المجن و الفجور و اللهو بكل ما هو مقدس , صور الممثلين تتوج نزولنا الدرج , أو بالأحرى ممثلات الإغراء في أيديهن كأس الخمر لا ينقص تلك الصور الفوتوغرافية سوى وجود شخص واحد......من يؤدي دور أبا جهل في فيلم الهجرة .

عندما وصلنا و دخلنا , كانت الأنوار تتجه نحونا و تدور لتسبح في الصالة كلها , لم أرى سوى الرجال الأفاضل يترنحون يميناً و يساراً , و الراقصات الغانيات يتمايلن على أرجل السكارى . لم أشتم رائحة سوى روائح النبيذ الرخيص منه بات قريب مني , حيث أن أفقر رواد المكان يجلسون في الخلف أم الأثرياء فمكانهم في الأمام دائماً و أبداً . كانت رائحة غريبة , رائحة تشبه رائحة لوط وسط أهله , فمثل هذا الزمان رائحة العفة أصبحت غير مرغوبة ...فالسائد الآن هو الفُجر و الاستباحة كل ما هو غال و نفيس .

لم يستمر الجلوس على المقاعد طويلاً , فلقد علت الموسيقى و أحدثت صخباً أحبته جليستي جداً , فلم أمانع عندما تدللت و طلبت مني أن أرقص معها وسط هذا الزحام من الشباب ...كل يستبيح الغير مستباح , فتيات يلبسون رداء الخلاعة و شباب يخلعون ستار النُبل و الحياء . أول مرة , كنت سكران حينها , قد فقدت روحي قبل الدخول للصالة و بعد الدخول فقد قلبي و انسانيتى بكاملها .... تمايلت و تدللت فلم أرغب عنها بل اقتربت منها و حاولت أن انتزع منها كل ما يسد رغبتي في امتلاكها , استحال هذا المشهد ليذكرني بما رأيته و أردت دوما نسيانه , حاولت تجاهله لكني لم أقدر ...بذلت قصارى جهدي فلم استطع , فتنهدت و أمسكت يديها و طلبت منها أن نرجع معللاَ طلبي بأن شئ ما أصابني .

جلسنا على المقعد الذي توسط القاعة , جاءت النادلة بزيها ناصع البياض , تقدم لنا " الويسكي " فأزاحت الزجاجة القديمة و حلّت مكانها الأُخرى الجديدة .

سألت ( وفاء ) و قلت :- تفتكري البنت ديه تستحق الشغلانة اللي هي فيها ديه ؟
قالت :-مش بتكسب من وراها ....حتحتاج ايه تاني
حينها صمت و أمرتها بالانصراف  فإنه قد حان وقت الرحيل و لابد أن نسرع حتى لا يداهمنا الوقت فنفقده , أطاعتني على الفور و قلت في قرارة نفسي ( أنتِ الأجدر بيها ....تستحقيها بجدارة )
مرت أيام منذ تلك الليلة , كانت تكلمني كثيراً و لا تتناول سوى موضوعاً وحيداً ( الخطوبة ) ...قلت لها أني ساصطحب جدي و آتي يوم الأحد القادم فكوني على أهبة الاستعداد .

حان وقت الكلام الرسمي , فاصطحبت جدي بعريبتي و صعدنا إلى البيت  ذات الطوابق العديدة و الذي لا يحمل ( الاسانسير ) و مع كل طابق نخطوه يسبني جدي بمختلف الشتائم الموجود في معجمه المحيط بكل صغير و كبير من الألفاظ البذيئة .
دخلنا فتنهد جدي من صعوبة  الوصول لهذا البيت , كان في انتظارنا والد العروس .
جلسنا بعد ديباجة المعهودة و المنتظرة و التي دوماً لا تضيف جديداً , كعبارات الترحيب المملة ......
والدها:-انتوا منورنا و الله ....طلباتكوا ..أمرني يا عمي ؟
جدي :-الأمر لله يا بني , أنت أكيد عارف اننا طالبين ايد وفاء ل(خالد)حفيدي .
والدها:-ده يشرفنا طبعاً ....بس الوالد و الوالدة مجوش ليه ؟
جدي :-و أنا رُحت فين ؟ مش مكفيك أنا يعني ....لا نقوم بقا أحسن ..عيب يا بني كده .
أنا :-أكيد ميقصدش كده يا جدي , ماما و بابا في عمرة ..طلعين عمرة شعبان إن شاء الله .
والدها :-بس إحنا في نصف رجب لسه .
جدي:-لا ما هما بيحبوا يروحوا بدري ...عشان يلحقوا مكان في الصف الأول .... يا بني موافق و لا نقوم نمشي ؟
والدها :-نقرا الفاتحة ........قالها و استحالت العُمارة بأكملها لفم يصدر زغرودة لا أحلى و لا أبهى من ذلك .....



( يوم الخطوبة )
لم يكف هاتفي عن الرنين , فقد كانت متوترة و خائفة كعادة أي عروسة يوم خِطبتها ....كنت أرد بكلمات مقتضبة و في آخر مكالمة قلت لها أني سآتي تحت المنزل في تمام السابعة , لأصطحبها بالسيارة و نصل لقاعة الزفاف ....
و بالفعل في تمام السابعة , تحت المنزل جئت و الشارع كله يتأمل العروسة و الفرقة تعزف بمختلف الآلات من الرق وصولاً إلى ال(صجات ) ....ركبت السيارة و الباقية أصطحبهم سيارات أخرى و كانت ( هند) صديقتها هي من تركب في سيارتنا و يقودنا ( عبد الكريم ) صديق عمري . وصلنا القاعة و رّن هاتفي مجدداً ..........
طلبت منها أن تسمح لي بمجرد دقائق لأقابل , منظم الفرح و أضع معه النقاط على الحروف لكي يكون يوم من أبدع أيام العُمر , قبلت يدها و نزلِتْ .
مرت الدقائق ...ربع ساعة ....نصف ساعة .....ساعة إلا ربع , و لم آتي فسمعت صخباً يأتي من الباب فنزلت هي و (هند) أما ( عبد الكريم ) فمهمته انتهت عند هذا الحد .
حملت الفستان الأبيض بيدها الاثنين كال(طشت) البلاستيك , أما (هند ) فالكعب العالي لم يسعفها أن تهرول وراء العروسة فأخذت الفستان البنفسجي و تركت صديقتها و رحلت ....
فتحت الباب الخاص بقاعتنا التي قد أشرت له بأصبعي قبل أن أنزل من العربة , دفعته بعنف و أصبح شعرها المصفف بعناية متحولاً إلى عُش العصفور و (صنية كنافة ) مرّ على عملها حوالى الأسبوعين .
لم تألف أحد , عيناها تروح يميناً و يساراً , لا ترى أحد من أهلها ..كل منكب على الصحون التي تأمُه والممتلئة بشتى أنواع اللحوم و الدواجن . لم يلحظها أحد , إلا عندما جرت ناحيتها طفلة عمرها حوالى عشر سنوات , قالت الطفلة ( العروسة التانية جات اهي .....)
انتبه الحاضرون لها و تأملوا الفستان الأبيض الذي ستر جسمها العاري بدايةً من كتفها وصولاً إلى العنق الطويل , ثقبت نظرها فإذا بها تلحظني في نهاية القاعة أضع الطعام في فم إحدهن التي كانت ترتدي فستان توجها لتتحول لإحدى ملكات أوروبا بل و تعدت جمالهن و اناقتهن .....
كانت متحفزة و توجهت و في يديها كرة ملتهبة , أوقفها جدي برزانة و خفت في أذنها و قادها إلى غرفة خصصها لأربعة أفراد ....
و دار الحوار على النحو التالي :
وفاء:-بكلمك مش بترد عليا ...ليه ؟
أنا:-كنت بجيب حبيبتي .
هي:-ما أنا قدامك آهو .
أنا:-لا أنا قصدت حبيبتي .......ديه . و نظرت لمن تجلس بجوار جدي في آخر الغرفة .
هي:-مش فاهمة ...لأ وضح لي .
أنا:-مش محتاجة توضيح يا مدام .
هي :-في مدام لسه متخطبتش ؟؟
أنا:-آه في , أنتِ ....اشرح لك أنا يا ستي

( فاكرة يوم بوابة العمارة اللي كانت لسه بتتبنى , مكنتوش اتنين لأ كنتوا اتنين و نص ...جسدين و نص روح معاكوا ....
روحت يوميها  قابلت بالصدفة , (نادين) اللي قاعدة هناك ديه ...ساعتها شافتني و أنا ضعيف  و خلتني أقوى واحد في العالم ...
قعدة الليل مع جدي اللى قاعد هناك ده هي الموضوع بقا كله , تحبي أكمل ....)
هي لم ترد , الصدمة تلو الأُخري لا تسمح لها بالاستيعاب الأمر .
أنا:-  ( يبقى أكمل ....جدي سمع مني اللي شوفته بعد ما حكيتله تفاصيله ...قالي لازم نفكر كده ... و قعدنا نتكلم طول الليل عليكِ )
( الحوار ليلتها بعد غلق الست جمالات نافذتها )
جدي:- مبدأيا كده , لازم نتأكد من اللي حصل ده و تبقى الصورة مكتملة .
أنا:-ازاي بس ؟
جدي:-لما تنزلوا مع بعد , تشوف الرسايل و النمرّ التي بتتصل عليها كتير .
أنا :- و هو انت عندك أمل نشوف بعد تاني أصلاً ؟
جدي:- لا فتّح مخك كده و مش عاوزك غبي النهارده بالذات ....الاسبوع اللي جاي حترجع تكلمك تاني عشان حتكون سابت الواد ده ...حتزهق منه صدقني و حتيجي تاني و حتطلب منك تنزلوا .
أنا:- أقوم رافض على طول طبعاً .
جدي: يا بني , تقول لأ تبقى متخلف ...معروف ...لأ=متخلف .
أنا :-حيرتني معاك ...أنا حسكت و حسمع منك خلاص .
جدي : خير ما عملت , ساعة لما تطلب منك تنزلوا حتاخدها و تروحوا حتة شمال و عاوزك تنفعل ....حتى لو شربت ...اشرب ملكش دعوة .
بعديها عاوزك تكلمها على الأقل مرتين في اليوم , و تدلعها كده ....بعد ده حتيجي تقولك نتخطب تقوم تمشي بمبدأ ( لأ = متخلف ) .....يوميها بقا تاخدها لوحدها في العربية و توصلها لباب القاعة اسمها ( ميراج ) أنا عارف صاحب القاعة حضبط الباقي ...بس أهم حاجة تركب لوحدها و حبعتلك كام عربية ليموزين ينقلوا أهلها ...و من هنا كان ( مكرم ) أفندي مضبط كل حاجة ...هو اللى كلمني على الموبايل و قالي تعالى لوحدك عشان تأخد عروستك ...بس سيبتك و رجعت عشان أفتح الدرج تاني و أدي روحي افراج من الدرج اللى كان محبوس فيه و أديته ل(نادين ) اللي متأكد أنها مش حتسمح لأي حد أنه ياخد روحي منها ...عشان هي تعبت أوي لحد ما لقيتها )
بقى الذهول يجتاح كل قطعة من جسدها , و قمت من مقعدي و تركتها  وحدها كما كانت دائماً و روحت لأستعيد روحي من جديد و تركنا الغرفة و لكن على الباب ..التفت جدي عندما سألت بصوت غاضب ( طب اهلي راحوا فين )
جدي رد ( متقلقيش يا بنتي ...أصل صاحب العربيات ده صاحبي من زمان ...قلت له يتوصى بيهم ..يفسحهم على طريق الواحات ...و مش حتدفعوا كتير صدقيني أصل العربيات نص تنكها فاضي ..يدوب يوصلوا عن الواحة و ممكن يرجعوا ماشيين .....أصل خالد نسي يقولك أنا اللي يخدش بس خالد يبقى الست جمالات داعية عليه و يتذل ذل الدنيا و الآخرة )  
تركتها هي و الغرفة بمفردهما ........

النهاية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire